الخياميات - إبراهيم العريض

أفِقْ يا نديمُ استهلَّ الصّباحْ
وباكِرْ صَبوحَكَ نَخْبَ المِلاحْ

فمُكْثُك بينَ النَدامَى قليلٌ
ولا رَجعةٌ لكَ بَعدَ الرواحْ

**

لقد صاحَ بي هاتفٌ في السُباتْ:
أفيقوا لرشفِ الطِّلا يا غُفاةْ!

فما حقَّقَ الحُلْمَ مثلُ الحَبابِ
ولا جَدَّدَ العُمْرَ غيرُ السُّقاةْ

**

ألا أترِعِ الكأسَ نَخبَ العَدَمْ
فمَنْ نامَ منّا كمَنْ لم ينَمْ

ولا أمْسِ ظَلَّ ولا الغَدُ حَلَّ
فما يَمنعُ اليَومَ أن يُغتنَمْ؟

**

فهاتِ حبيبي لي الكأسَ هاتِ
سَأنسَى لها كلَّ ماضٍ وآتِ

غَداً؟ ويحَ نفسي غداً قد أعودُ
وأَعْرقُهم في البِلى مِن لِداتِي

**

إلهيَ! رُحماكَ أينَ الصَباحْ؟
فقلبي يَكاد أسًى يُستباحْ

وغُفْراً.. لساقٍ سَعتْ بي إليها
جُنوناً، وراحٍ تَمادتْ بِراحْ

**

وكم لِيَ من توبةٍ عن جَناها
فهل كنتُ أصْحو وقد عِفتُ فاها؟

ويَنفحُنِي الوردُ وَرْدُ الربيعِ
فلا أملكُ النفسَ حتّى تَراها

**

لَئِنْ قُمتُ في البَعثِ صُفْرَ اليَدينِ
وعُطّلَ سِفْرِيَ من كُلِّ زَيْن

فيَشْفعُ لي أنَّنِي لم أكُنْ
لأُشركَ باللّهِ طَرْفَةَ عَيْنِ

**

أَ آلهةَ الخَمْرِ! بئسَ التَجنّي
قَلَبْتُنَّ للصَبِّ ظَهْرَ المِجَنّ

طرَحْتُنَّ في الكأس بُرْدَ وقاري
عرَضْتُنَّ جِدّي لِلَهوِ المُغنِّي

**

نَذرتُ لحُسنِكِ نَجْوى صَلاتي
وفي غَمْرَةِ العِشقِ ضَيَّعتُ ذاتي

فلوْ خَيَّرونيَ.. لَمْ أرضَ إلاّ
بتِلكَ حَياتي - فأنتِ حياتي

**

سيَحيَا لحبّك قَلبي المُعنّى
لِـجَوْرِك، ما دام وعدُكِ مَنّا

لطَرْفِكِ، يَسقي مع الخمرِ خَمراً
فيُبدعُ - فَنّاً - وأُبدعُ فنّا

**

ويا لَيتَ شِعري أتِلكَ الزُهورُ
عرائسُ نُعمَى جَلتْها السُّتورُ؟

فمِنْ قُبلةِ الشَمسِ هذا الحياءُ
ومن لُؤلُؤِ الطَلِّ ذاك السُرورُ

**

فَجَدِّدْ معَ الكأسِ عَهدَ غَرامِكْ
وحَلِّ مَرارتَها بابْتِسامِكْ

وعَجَّلْ فَجَوقَةُ هذِي الطُيورِ
قد لا تُطِيلُ الطَوافَ بجامِكْ

**

ويا وهَجَ القلبِ كُنْ مُحرِقا
صَبوتَ فزادَ الصِّبا رَونَقا

وما أضيَعَ العُمْرَ لو أنَّني
حَملتُكَ من غَيرِ أن تَخفِقا

**

لئن عادَ عِندَك مَدعاةَ نُكْرِ
بُكوري لِشُربٍ ونَومي بسُكر

فما أسفي غَيْرَ أنّيَ ضَيّعتُ
في الصَّحْوِ أجْملَ أيامِ عُمري