سفحَ المزاجُ على حميا الكاسِ، - صفي الدين الحلي

سفحَ المزاجُ على حميا الكاسِ،
وسعى يطوفُ بها على الجلاسِ

ساقٍ، فلو طرحَ المدامَ لأسكرتْ
صَهباءَ فاترِ طرفِهِ النّعاسِ

سكرانُ من خَمرِ الدّنانِ كأنّما
عبثَ النسيمُ بقدهِ المياسِ

سالَ العِذارُ على أسيلِ خُدودِهِ،
فغَدا يُسَيّجُ وردَها بالآسِ

ساوَى الرّفاقَ بشُربِها، حتى إذا
ثملَ المديرُ، وغابَ رشدُ الحاسي

سكنتْ مقرّ عقولهم، وتمكنتْ،
فغَدَتْ توَسوِسُ في صُدورِ النّاسِ

سفرتْ فكانتْ تحتَ جلبابِ الدجى ،
تُغني عن المِصباحِ والمِقباسِ

سلتْ عليها للمزاجِ صوارمٌ،
لتروضَ منها الخلقَ بعدَ شماسِ

سَلِّ النّفُوسَ بقَهَوة ٍ دَيرِيّة ٍ،
كالشّمسِ تُشرِقُ في يَدِ الجُلاّسِ

سمها، ولا تبخل، إذا تجلو بها
خَوفاً منَ الإقتارِ والإفلاسِ

سمح كفوفكَ في الشراءِ، فرأينا
ثَقلُ الكؤوسِ وخفّة ُ الأكياسِ

سابق إلى جناتِ عدنٍ قد بدتْ
أزهارُها بغرائبِ خيرَ لباسِ

سَكِرَتْ قدودُ غصونِها فتَرنّمَتْ
ورقُ الحمامِ بأطيبِ الأنفاسِ

سجَعَتْ، فخِلنا الطّوقَ في أعناقِها
من ابنِ أرتُقَ في رِقابِ النّاسِ

سلطانُ عدلٍ بل خليفة ُ منصبٍ،
أحيَتْ مَناقبُهُ بَني العَبّاسِ

سَقِمَتْ بهِ مُهَجُ العُداة ِ، وطالَما
سَقِم الزّمانُ وكانَ نِعمَ الآسِي

سيفٌ أعزّ الدّينَ بَعدَ هَوانِهِ،
فبدتْ رسومُ ربوعهِ الأدراسِ

سارتْ لخسفِ الأرضِ قبُّ جيادهِ،
فأمَدّها مِن حِلمِهِ بِرَواسِ

سهلُ الخلائقِ لينٌ عندَ الندى ،
لكنهُ عندَ الشدائدِ عاسِ

سبقتْ عطاياهُ السؤالَ، فمالهُ
في مأتمٍ، والناسُ في أعراسِ

سنّ المواهبَ، والجهادَ، فدهرهُ
يومانِ: يومُ قرى ً ويومُ قراسِ

سعيٌ أساسُ المجدِ منهُ ثابتٌ،
والمَجدُ لا يُبنَى بغَيرِ أساس

سَهَدتَ، نجمَ الدّينِ، طرفَكَ للعلى ،
فحَفِظتَ دوحَتَها مِنَ الإيباسِ

سُرّتْ بسَعِيكَ، واطمأنتْ أنفسٌ
كانَتْ مِنَ الأيّامِ في وَسواسِ

سَعِدَتْ بكَ الدّنيا، وعادَ نِفارُها،
مِن بَعدِ وحشَتِها، إلى الإيناسِ

سدْ في الأنامِ، فلا برحتَ مؤملاً
تسوي الخَلائقَ في النّدى وتُواسِي

سمحُ الأكفَ ترومُ نائلَك الوَرى ،
وتخافكَ الآسادُ في الأخياسِ

سَعدٌ أتاكَ من الإلَهِ مؤيَّد،
فاخلُد، ودُمْ في نِعمَة ٍ وغِراسِ