خواطر عاطل عن الحلم - رياض بوحجيلة

إلى الذين سموهم ( حراقة*) و ما علموا أنهم في وطنهم يحترقون
إلى يحي سعيدي ( دييغو )
هذا المساءْ ..
أنا مرهق جدا
و سجائري الخمسون لا تكفي
لنظْمِ قصيديَ المنثور بين ضلوعي
فحبيبتي الأولى/الأخيرة أصبحت أماً
لها ولد تعانقه البراءة و النقاء به يهيمْ
أبصرتُه هذا الصباحْ
يجري بجانبها و يقفز في انشراحْ
كفراشة جذلى يشاكسها النسيمْ
و رأيتها ترنو إليه بمقلةٍ حَوَتِ الربيعَ
و أزهرتْ فيها الزنابقُ والأقاحْ
به تُبَدِّدُ ما ترسب من بقايا الحزن في قلب تعلل و استراحْ
و أنا المدجَّجُ بالمواجعِ و الجراحْ
مازلتُ أرشف ما تعتق من دموعي
هذا المساءْ ..
أنا مرهق جدا
و قهوتي السوداء لا تكفي
لتبييض اسْوِدَادِ السُّحْبِ في أفق الفؤادْ
مازلتُ ألتهمُ الجرائد عند زاوية بمقهى الشارع الخلفيِّ
ينضح بالقذارة و الشيوخ العاطلينَ
و فتيةٍ سئموا الحديث عن الرياضةِ
أو مغازلة الصبايا العائدات من المدارسْ
قد صار جلُّ حديثهمْ أن يحجزوا في قارب يَمضِي بِهمْ
للضفة الأخرى من الحلم المعلق تحت صلبان الكنائسْ
أفتشُ بين أعمدة الوظائف عن شعاع من أملْ
يُثني الفؤاد عن التفكر في الرحيل عن البلادْ
عبثا أفتش في الرمادِ عن الرمادْ
و أتوهُ بين نحيب أنصاف القلوبِ
و بين طلاب النهايات السعيدة
كملاحم الإغريقِ أو قصص الغرام
أو حكايا شهرزادَ تهدهد الملك الهمامْ
و أقلب الصفْحات أَنَّتْ تحت صرْخات العوانسْ
عبثاً أضيء فتائل الأمل المُدَنَّس بالوعودِ الكاذباتِ و بالكلامْ
بعضي يحاول أن يصدقها
و ريح اليأس تعبث في شموعي
هذا المساءْ ..
أنا مرهق جدا
و لم أعدْ أقوى على تخدير قلبي بالأماني
و ابتكار النهايات السعيدة
ما عاد في القلب الجريح مساحة للحب أو للحلم
و صبيةٌ سمراءُ عند محطة الباصاتِ
لم أجرؤ على ردِّ ابتسامتها التي تَشِي
ببعض بالدفء و الشوق الخبيء
بعوالم العشق الطفولي البريء
بحضن فارسها المسافر في السحاب
على حصانٍ أبيضٍ جذلاً يجيءْ
و أنا المحاصَرُ بالمدامع و المواجع و الدروب التائهاتْ
ما عاد بين جوانحي شيء يضيءْ
فيما عدى حلمٍ تدلَّى بين عكازين من ألمٍ و من أملٍ به صدري ينوءْ
شيء تحطم داخلي ..
لا فجرَ خلف ستار هذا الليل يؤذن بالطلوعِ
هذا المساءْ ..
أنا مرهق جدا
و لا كفٌ تلملم ما تناثر من دموعي
عيني تحلق في الجريدة إِذْ
تحدث عن ملايين المساكنِ
عن ملايين الوظائفِ
عن مشاريع الزعيم الفذ
و البطل المتوَّج بالمهابة و الفخارْ
عن جنة من تحتها تجري البحارْ
عنْ ..
و تعيدني من حلْم رابعة النهارْ
كفٌ لأرملةٍ تطوف موائد المقهى
لتجمع ما يرد طوى الصغارْ
أطوي الجريدةَ
أترك المقهى
و أزمع أن أجرب مثلهم درب الفرارْ
يا أمُّ لا تََدْعي لإبنكِ بالرجوعِ..
( * الحراقة في اللهجة الجزائرية هم الذين يركبون
قوارب الصيد للهجرة السرية إلى جنوب أوروبا)