خلف الجدار - رياض بوحجيلة

إلى الصامدين خلف جدار العار
فِي الَخلْفِ قَوْمٌ يَحْضنُونَ المَوتَ
ثَمَّ كأنَّهُ وَلَدٌ لَهُمْ
تَحْنُو عَليهِ أَكُفُّهُمْ
يُدعَى إلى الأعْرَاسِ و الأَفْرَاحِ
يَحْضُرُ في الجَنَائِزِ
كَي يُعَزِّيَ ِفي الذِينَ قَسَتْ عَليهمْ كَفُّهُ
و يُلَقِّنُ القَتْلَى الشَّهاَدَةَ بَعدَ قَصفِ مدافِعِ الأَحقَادِ
أو عِندَ انطِلاقِ رَصاصَةٍ عَمياءَ منْ كَفٍّ جَبَانَةْ
َيَتَبَسَّمُونَ بِوجْهِهِ كَيْ يَرفعُوا الإِحْراجَ عَنْه
و يَدُ الكَريمِ تُقَبِّلُ الشُّهداءَ
تَرفَعهُمْ
و تُسْكنَهُمْ جِنَانَهْ
كَالصَّبرِ
رَبَّوهُ صَغيرًا
أَلْقَمُوهُ الجُرْحَ غَضًّا
أَرْضعُوهُ دِمَاءَهُمْ
و دُموعَهمْ
نَكَبَاتهمْ
شَوْقَ العَجائِزِ لِلَّذِينَ تَفرَّقُوا في الأَرضِ يَبْغُونَ النَّجَاةْ
قَدْ صَارَ مِنهمْ
حَفِظَ الأَغَانِيَ لَخَّصَتْ تَاريخَهمْ
هِجْرات أَحبابٍ لَهمْ سَكَنُوا المَنافِيَ و الشَّتاتْ
و تَرَنُّمَ الفَتياتِ قُرْبَ المَاءِ
يَذْكرنَ الحَبِيبَ تَخَطَّفَتْهُ يَدُ الرَّحِيلْ
أَلِفَ الفَنادِقَ و المَقاهِيَ و الزَّوايَا البَارِدَاتْ
و تَفِيضُ دَمْعَتُهُ
و لا خِلٌّ يُرَبِّثُّ كِتْفَهُ
أَو كَفُّ أُمٍّ قدْ تُداعِبُ شَعرَ مِفْرَقِهِ فَتُلْهِمهُ الثَّبَاتْ
أَمْسَى يُقاسمُهمْ مَوائِدَهمْ و قَهوتَهمْ
و يُزْرَعُ كَالزُّهورِ تُزيِّنُ الشُّرفَاتْ
و يَعودُ مَرضَاهمْ
يُطَبِّبُهُمْ
يُعاتِبُهمْ إِذَا مَلُّوا الدُّعَاءَ و أَغْفلُوا الصَّلَوَاتْ
لَكنَّهمْ
هُمْ عَلَّمُوهُ كَيْفَ يَصبِرُ حِينَ ضَلَّ الأَهلُ
إِذْ سَارُوا عَلَى دَربِ الخِيانَةْ
كَالثَّأْرِ
كَالعُشَّاقِ يَأْخُذُ فِي المَسارِحِ آخِرَ مقْعدٍ
و يُسَّجلُ الأَحْدَاثَ و الأَسْمَاءَ
أَوْ تِلْكَ التَّفَاصِيلَ الصَّغيرَةَ حِينَ يُهْمِلُهَا المُؤَرِّخُ
قَاصِدًا أَوْ دُونَ قَصدْ
كَدُمُوعِ أَرْمَلَةٍ و أَيْتَامٍ تُنَوِّمُهُمْ عَلَى جُوعٍ و بَردْ
شَيْخٌ ضَرٍيرٌ ضَلَّ دَرْبَ غُدُوِّهِ فَجْرًا لِمَسْجِدِهِ
عَلَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ أَسْكَتَتْهُ قَذَائِفٌ تَتْرَى
و مِئْذَنةٌ تُهَدّْ
و صَبِيَّةٌ تَبكِي عَرَائِسَهَا
و ثَوْبَ العِيدِ ضَاعَ تَحْتَ رُكَامِ مَنْزِلهَا
تَأَوُّهُ تِينَةٍ
زَيْتُونَةٍ
لَيْمُونَةٍ
أَوْ كَرْمَةٍ و يَدُ الفَنَاءِ لَهَا تُمَدّْ
و نُوَاحُ عُصْفُورٍ عَلَيْهَا قَدْ تَرَبَّى مِثْلَهُمْ
مِنْ أَلْفِ جَدّْ
أَسْمَاءَ مَنْ قُتِلُوا و مَنْ قَتَلُوا
و مَنْ نُفِيُوا
و مَنْ نُكِبُوا
و مَنْ نَصَرُوا و مَنْ خَذَلُوا
و مَنْ جَادُوا و مَنْ بَخلُوا
أَسْماءَ منْ بَاعُوا
و منْ جَاعُوا
و مَا مَدُّوا الأَكُّفَ لِغَيرِ خَالِقِهِمْ
و مِنْ أَيْدٍ تُعَيِّرُ بِالإِحْسَانِ مَا أَكلُوا
و منْ شَاخُوا و مَا شَبُّوا و مَا اكْتَهَلُوا
أَسْمَاءَ مَنْ ثَبتُوا و مَنْ رَحَلُوا
مِنَ الرَّمْضَاءِ تَلْفحُ جِسْمَهُمْ
لِصَقِيعِ وِحْدَتِهِمْ عَلَى تَلِّ الغِيَابْ
يَسْتَشْعِرُونَ الدِّفْءَ فِي صُوَرِ الأَحِبَّةِ
حِينَ تُحْفَظُ فِي الجُيُوبِ الدَّاخِلِيَّةِ مِنْ مَعَاطِفِهِمْ
بِقُرْبِ القَلْبِ
يَقْتَاتُونَ مِنْ حُلمِ الإِيَابْ
أَيْضًا عَنَاوِينَ المَنَازِلِ أُخْلِيَتْ أَوْ جُرِّفَتْ
لَوْحَات أَسْمَاءِ الشَّوَارِعِ بُدِّلَتْ أَوْ حُرِّفَتْ
..
يَسْتَشْعِرُ الدَّمعَات قَبلَ نُزُولِهَا
فَيُدِيرُ وَجهَهُ لِلْبَعيدِ يُجَنِّبُ الأَحْرَارَ إِحْسَاسَ المَهَانَةْ
يَا أَيُّهَا السَّجَّانُ لا تَعْجَلْ بِقَرْعِ طُبُولِ نَصْرِكَ
أَنْتَ لَمْ تَسْجُنْ سِوَى أَجْسَادِهِمْ
لَكِنَّمَا أَرْوَاحُهُمْ سَتَظَلُّ حُرَّةْ
و تَظَلُّ مَسْجُونًا عَلَى عَتَبَاتِ ذُلِّكَ رَاتِعًا فِيهَا
و لَوْ طَوَّفْتَ أَنْحَاءَ المَجَرَّةْ
أُخْدُودُ نَارِكَ يَا زَنِيمُ تَنَزَّلَتْ لَفحَاتُهُ بَرْدًا عَلَيْهِمْ
فَاسْتَفَاؤُوا ظِلَّهُ
و تَنَسَّمُوا فِي الصَّيْفِ حَرَّهْ
يَا أَيُّهَا السَّجَّانُ قُلْ:
هَلْ تَمنَعُ الجُدرَانُ أَشْواقَ الأَحبَّةِ أنْ تَمُرّْ ؟
دَعَوَاتهمْ إِنْ مَسَّهمْ سَغَبٌ و ضُرّْ ؟
صَلَوَاتُهمْ فِي اللَّيْلِ هَلْ تَحتَاجُ تَصرِيحَ العُبورِ
و خَتمَ أَعْوانِ الجَمَاركِ
أَمْ تُرَاهَا تَحْفِرُ الأَنْفاقَ سِرًّا كَيْ تَفِرّْ ؟