قِصَّةُ أَبِي شَنَبٍ - عمارة بن صالح عبدالمالك

حَدَّثَنِي أبُو شَنَبْ
عَنْ شَيْبِهِ الَّذِي الْتَهَبْ
فقالَ بالتّفصيلِ:
بَحثتُ عنْ وَظيفةٍ
أوْ حِرفةٍ لأشتغلْ
و الشَّيبُ مِنْ عَنائِهَا
أمسَى لَهيبًا يَشتعلْ
أَذْوَيْتُ أفنانِي
على درسِ الضَّميِر الْمُتَّصِلْ
حتّى غدوتُ بالكتابِ أَسْتَظِلْ
لِلحَرْفِ و الدَّوَاةِ كنتُ أمتثلْ
و باليراعِ حينَما
يَجري على القرطاسِ كنتُ أبتهلْ.
قالتْ لِيَ الأيّامُ في أحكامِها:
مُباركٌ يا وَلَدِي...
...إِنَّكَ لا و لنْ تَضِلْ!
***
يَا لَلْكَلَاِم الْمُكْتَمِلْ
كَم بَثَّ فِيَّ مِنْ أَمَلْ!
شَققتُ عامًا إِثْرَ عامٍ
في عجلْ
لِيُقْبِلَ الْخَطْبُ الْجَلَلْ
و تَكْشِفَ الدُّنْيَا
عَنِ الْوَجْهِ الْقَذِرْ
و يُرْفَعَ السِّتَارُ
عَنْ جَوٍّ عَكِرْ
فِي دَوْلَةٍ شِعَارُهُا:
< لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ دَرَى
وَ مَنْ جَهِلْ!>
***
أَلْفَيْتُنِي أهيُم في مَدينتِي
بِلَا عَمَلْ
تَطْعَنُنِي غَدْرًا
خَناجرُ الْمَلَلْ
أَطْرُقُ بَابًا تِلْوَ بَابٍ
حاملاً شهادتِي
لكنْ كأنِّي
حاملٌ إبادتِي!
فكَّلما أُدِيرَ مِزْلَاجٌ
علَا صَوْتٌ لِجاهلٍ
يُزعزعُ الْقُلَلْ:
< ما عندنا أيُّ عَمَلْ! >
أوْ سِكرتيرةٍ قليلةِ الْحَيَا
تَطْرُدُنِي بِلا خَجَلْ،،،
و مَا الْعَمَلْ
إذْ حطَّنِي الدَّهْرُ الْقَصَا؟!
***
قالَ:
عَزَائِي أنّنِي
رَقْمٌ جديدٌ مِنْ ضحَايَا الْمُجتَمعْ
مَا أَبْلَغَتْنِي جَنَّةً دِراسَتِي
فَأسْتريحَ مَرَّةً مِنَ الْوَجَعْ
و لا سَعِيًرا
يَحْتَوِي هذَا الْجَزَعْ
مُعَلَّقٌ كَالشَّاةِ مِنْ عُرْقُوبِهَا
مَا سُرَّ مَنْ في حَالتِي
يومًا وَقَعْ
أَبْلهُ مَنْ يَأمنُ في حَياتِه
مَكْرَ الزَّمنْ
أَبْلَهُ مَنْ يَعْتَقِدُ الدُّنْيَا
تَجُودُ بِالْمِنَنْ
فَلْتَسْمُطِي أيَّتُها الدُّنْيَا عَنِ الْأعذارِ
في عَصْرِ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرْ
وَ لْتَسْطَعِي
أوْ تَغْرُبِي يَا شمسُ عمَّا في بلادِي
مِنْ خَرَابٍ مُنْدَثِرْ
يَئِسْتُ حَتَّى أَصْبَحَتْ أُمْنِيَّتِي
في مَوْطِنٍ ثَانٍ جَمِيلٍ مُنْصِفٍ
لَا يَنْدَثِرْ!