صَغِيرَةُ الْمَدِينَة - عمارة بن صالح عبدالمالك

أنَا يا صغيرةَ هذِي الْمَدينهْ
بِقَدْرِ هُيامِي
بِقَدْرِ اضْطرامِي
يطيرُ إليكِ فراشِي الْحَزينْ
لِكلِّ مساءٍ حزينْ
و من خلفِ أسوارِكِ العَالياتِ
أرى وجهَ أقدارِنا
مُشَوَّهَ عيْنٍ و أنْفٍ
بِكَيٍّ عميقٍ ثخينْ
يُجلِّطُ مجرَى دِمَانَا
يُعَكِّرُ صَفْوَ سَمَانَا
و لكنْ كأنِّي و أنتِ
بأرحامِ هذي السِّنينْ
برَغمِ الجِراحِ
برَغمِ الرِّياحِ
نظلُّ نردُّ الضَّغينهْ
و نقبعُ من خلفِ أسوارِنا
نعانقُ أسرارَنا
في زوايا المدينهْ
نؤدِّي طقوسَ الصَّبابةِ عندَ الْمَسَا
و نروِي لبعضٍ حكايَا الصِّغارْ
برَغم العدوِّ
برَغمِ الحِصارْ
نظلُّ معًا
نسافرُ عبرَ الْمَجَرَّهْ
نفتِّشُ عنْ حُلُمَيْنَا
بِكُلِّ الكواكبِ
كلِّ البحارِ
و كلِّ الْبُرُورِ
ففي موضعٍ مَا
سنلقى الْمَسَرَّهْ
نسائلُ عنّا النُّجومَ الحيَارَى
لِتهديَنا في ظلامِ اللَّيالِي
نفتِّحُ عينًا و أذنًا
نجنِّبُ جسمينِ عضَّ الأفاعِي
و قَنْصَ النِّبالِ
نجاوزُ مثلَ العصافيرِ
أعلى البُروجِ
و نشربُ في الجوِّ
من بَرَدٍ و ثُلوجِ
و لا نرتجِي ماءَ أرضٍ ظَلُومَهْ!
قراراتُنا يا رفيقةَ دربِي
سنحيَا معًا في سماءِ المدينهْ
بعيدًا عن الْمُبْغِضِينَ
و عن أعينِ الحَاسدينْ
سنحيَا معًا
قَمَرَيْنِ مُضِيئَيْنِ
في مَأْمَنٍ و سكينهْ
معًا ... كلَّما أظلمتْ تحتَنا الأرضُ،
نرسلُ بعضَ الضِّياءْ.