فَأَيّامُنَا تَغْدُو جَمِيعًا نُفَمْبَرًا - عمارة بن صالح عبدالمالك

حَبَا اللهُ أرْضًا عَنْ عَظِيمِ الْأَوَابِدِ
وَ أَبْقَى بَنِيهَا لِلْمَعَالِي الْخَوَالِدِ

وَ أَرْسَلَ فِي كُلِّ الرُّبُوعِ مَوَدَّةً
تَطُوفُ رِحَالًا بَيْنَ قَوْمٍ أَمَاجِدِ

يُنَادِي الْمُنَادِي ذِي بِلَادِي عَزِيزَةٌ
فَتُصْغِي الدُّنَى طَوْعًا لِأَحْلَى النَّشَائِدِ

وَ تَغْدُو جَمِيعًا لِلْجَزَائِرِ صَفْحَةً
يُرَصَّعُ فِيهَا إِسْمُنَا بِالْحَدَائِدِ

نُفَنِّدُ زَعْمَ الْمُغْرِضِينَ مِنَ الْعِدَى
وَ نُلْقِي بَعِيدًا تُرَّهَاتِ الْجَرَائِدِ

وَ نَصْنَعُ تَارِيخًا لِأَحفَادِنَا غَدًا
فَأَفْضَلُ مَا نَلْقَاهُ صُنْعُ السَّوَاعِدِ

نُفَمْبَرُ عِيدٌ يَسْتَحِقُّ جَلَالَةً
تَنَزَّلَ فِيهِ الْحَقُّ يَوْمَ الشَّدَائِدِ

فَقُمْنَا نَرُومُ الْعِزَّ بَعْدَ مَذَّلَّةٍ
وَ بَعْدَ هَوَانِ النَّفْسِ فِي يَدِّ حَاقِدِ

نُصَارِعُ ظُلْمًا أَسْوَدَ اللَّوْنِ قَاتِمًا
وَ نَلْقَى الْأَعَادِي فِي الشَّرَى وَ الْجَدَاجِدِ

ضَرَاغِمُ لَا نَخْشَى عَلَى الْأَنْفُسِ الرَّدَى
وَ إِنَّا لَهُ طُولَ الزَّمَانِ الْمُفَانِدِ

وَ نَكْسِرُ أَغْلَالًا يَقُولُونَ إِنَّهَا
قَضَاءٌ عَلَى النَّاسِ الضِّعَافِ الْأَعَابِدِ

و نَرْجُو إِلَ‘هَ الْكَوْنِ يَنْصُرُ أَمْرَنَا
وَ مَنْ فَوْقَهُ رَبٌّ فَلَيْسَ بِحَائِدِ

فَهَيْتَ دَعُوا أَحْلَافَكُمْ تَسْتَفِزُّنَا
فَإِنَّ لَنَا الْقُرْآنَ خَيْرُ الْمَنَاجِدِ

وَ إِنَّ لَنَا الْإِيمَانَ أفْضَلُ عُدَّةٍ
وَ مَا الزَّادُ غَيْرَ الْمُرْهَفَاتِ الْبَوَارِدِ

نَمُدُّ أَيَادِينَا لِبَعْضٍ تَآلُفًا
وَ يَجْمَعُنَا فِي الْكَوْنِ سِرُّ التَّعَاضُدِ

أَلَا إِنّمَا هَدَّ الْقُصُورَ تَوَاكُلٌ
علَى مَا بِهِ تَأْتِي السَّمَا مِنْ مَوَائِدِ

جِحَافُ الْأُمُورِ الْعَيْشُ دُونَ كَرَامَةٍ
وَ شَرُّ الْكُلُومِ الْمَوْتُ دُونَ مَقَاصِدِ

وَ أَحْدَثُ بِدْعٍ رَوْمُ خِلٍّ مُقَنَّعٍ
أَخٍ بِاللِّسَانِ الطَّلْقِ وَقْتَ الْوَعَائِدِ

يَرُومُهُ لَهْفَانٌ وَ لَكِنْ كَأَنّمَا
يَرُومُ سُدًى مَاءَ الْجِبَابِ الْغَوَامِدِ

نَزَلْنَا الْحَرَا وَ النَّارُ تَكْوِي جِبَاهَنَا
بِجَأْشٍ قَوِيِّ الرَّبْطِ أَصْلَبَ جَامِدِ

فَأَبْصَارُنَا مِثْلُ الصُّقُورِ مَرَاسَةً
وَ أرْوَاحُنَا صُمٌّ كَمِثْلِ الْجَلَامِدِ

مُسَلَّطَةٌ فَوْقَ الْعِدَى أَيْنَمَا خَلَوْا
فَإِذْ هُمْ جُفُولٌ كَالنَّعَامِ الطَّرَائِد

وَ ظَنُّوا بِأَنْ لَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِنَا
فَسُحْقًا لِقَوْمٍ كَافِرِينَ أَبَاعِدِ

وَ ظَنُّوا حُصُونَ الْبَطْشِ عَنَّا مَنِيعَةً
كَأَنَّ بِهَا حَتْفَ الْجُيُوشِ الْعَوَانِدِ

فَذَاقُوا وَبَالَ الْأَمْرِ بَعْدَ مَنَاعَةٍ
وَ ذَاقُوا الّذِي ذُقْنَاهُ يَوْمَ الْمَعَاوِدِ

كَذَا يَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ كَانَ صَابِرًا
وَ يَبْعَثُ فِيهِ الرُّوحَ بَعْدَ التَّصَاعُدِ

لَكَمْ طُلْتَ يَا لَيْلَ النَّوَازِلِ دَامِسًا
تَعُجُّ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى وَ الْحَقَائِدِ

نُسَاوَمُ فِي أَشْرَافِنَا دُونَ هَيْبَةٍ
وَ نَلْقَى نَكَالًا فِيكَ دُونَ مَسَانِدِ

وَ تُبْتَرُ أَيْدِينَا وَ أَرْجُلنَا عَلَى
خِلَافٍ مَعًا مِثْلَ الْغُصُونِ الزَّوَائِدِ

وَ تُسْفَكُ بُهْتَانًا وَ زُورًا دِمَاؤُنَا
عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الّتِي لَمْ تُعَانِدِ

وَ تُغْرَزُ - مَنْ ذَا لِاحْتِمَالِ نَفَاذِهَا؟!
مَسَامِيرُ فِي أَجْسَادِنَا كَالْجَوَامِدِ

وَ نُشْحَنُ بِالْأَسْلَاكِ وَ الْكَهْرَبَاءِ لَوْ
تَرَوْنَ عَذَابًا لَيْسَ عَنّا بِهَامِدِ

تُحَرَّقُ أَبْيَاتٌ مِنَ الطّينِ هَشَّةٌ
وَ تُخْلَى دِيَارٌ مِنْ كِرَامِ الْقَعَائِدِ

وَ يُؤْخَذُ أَرْبَابُ الْعَوَائِلِ عَنْوَةً
فَيَبْكِي الْأَيَامَى وَ الْيَتَامَى لِوَالِدِ

وَ نُحْرَمُ أَكْلَ الْعَيْشِ مِنْ مَزْرَعَاتِنَا
وَ نُمْنَعُ شُرْبَ الْمَاءِ عَذْبَ الْمَوَارِدِ

شُرُورُ فَرَنْسَا لَا تُفَارِقُنَا الْمَدَى
وَ قَدْ صَوَّرَ التّارِيخُ أَقْسَى الْمَشَاهِدِ

بِهَا نُخْبِرُ الْأَجْيَالَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
عَلَى كُلِّ لَوْنٍ وَ اخْتِلَافِ الْعَقَائِدِ

نُقَايَضُ بِالْمَالِ التَّلِيدِ عَنِ الثَّرَى
وَ نُغْرَى بِجَنَّاتٍ عِرَاضٍ جَيَائِدِ

فَنَأْبَى مَيَاسِينَ السَّمَاءِ جَمِيعَهَا
وَ نَطْلُبُ عِزًّا فَوْقَ أَرْضِ الْأَمَاجِدِ

نَمُوتُ وَ لَا نَحْيَا بِهَوْنٍ يَقُودُنَا
إِلَى نِعَمِ الْعَيْشِ الرِّطَابِ الْمَوَاجِدِ

لَنَا فِي الْجِبَالِ الشّامِخَاتِ مَفَازَةٌ
وَ فِي حَجَرِ الصَّوَّانِ خَيْر الْمَسَانِدِ

نُؤَازِرُ بَعْضًا فِي جَلِيلِ مُصَابِنَا
مَعًا لَا نُبَالِي بِالرِّيَاحِ الصَّوَارِدِ

فَإِنْ ضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بِعَيْشِهَا
طَلَبْنَا سَوِيًّا عَيْشَنَا بِالتَّنَاهُدِ

وَ إِنْ نَحْنُ بَعْدَ الْعُسْرِ نِلْنَا ذَخِيرَةً
رَدَدْنَا عَلَى أَنْدَادِنَا رُدَّ وَاعِدِ

نُلَقّنُهُمْ دَرْسَ الْبُطُولَةِ بَيِّنًا
بِرَغْمِ الْقِوَى وَ الطّائِرَاتِ الرَّوَاعِدِ

وَ نُلْقِمُهُمْ آرَامَ نَارٍ لِيُدْرِكُوا
حَقِيقَةَ شُرْبِ الْخَلْقِ مُرَّ الْمَرَافِدِ

هِيَ الْأَرْضُ فِرْدَوْسٌ نُوَرِّدُهَا الدِّمَا
إِلَى أَنْ يَبِينَ الْحَقُّ مِنْ حِقْدِ ضَاهِدِ

يُنَازِعُنَا الْأَطْفَالُ مِنْهُمْ مَحَبَّةً
وَ نَعْفُوعَنِ النِّسْوَانِ عِنْدَ الشَّدَائِدِ

مَبَادِئُنَا فِي الْكَائِنَاتِ عَرِيقَةٌ
سَلُوا الدَّهْرَ عَنْهَا يُنْبِكُمْ بِالشَّوَاهِدِ

تَمُوتُ عَلَيْنَا الْأُمَّهَاتُ مَخَافَةً
وَ يَسْتَظْهِرُ الْآبَاءُ حُسْنَ التَّجَالُدِ

يَقُولُونَ مِنْ أَجْلِ الْجَزَائِرِ إِذْهَبُوا
فَإِنَّا رَضِينَا بِالْجَفَا وَ التَّبَاعُدِ

وَ مَا يَمْلِكُ ابْنٌ غَيْرَ قِيلٍ وَ قُبْلَةٍ :
هِيَ الْحَرْبُ يَا أُمِّي فَقِيدٌ بِفَاقِدِ

فَإِنْ عُدْتُ يَوْمًا زَغْرِدِي لِانْتِصَارِنَا
وَ إِنْ مِتُّ قُولِي لَنْ تَمُوتَ مَقَاصِدِي

بِحَقِّكِ يَا أَرْضَ الْجُدُودِ تَبَجَّحِي
فَإِنِّي أَرَى الدُّنْيَا بِكَفَّيْ مُجَاهِدِ

وَ إِنِّي أَرَى فِي الْكَوْنِ ضَوْءَكِ لَائِحًا
كَمَا لَاحَ نُورُ اللهِ فَوْقَ الْمَسَاجِدِ

نُفَاخِرُ بِالْمَاضِي وَ لَا يَأْخُذَنَّنَا
بِهِ كِبْرِيَاءُ الْعُجْبِ حَدَّ التَّقَاعُدِ

فَأَيَّامُنَا تَغْدُو جَمِيعًا نُفَمْبَرًا
إِذَا مَا رَأَيْتُمْ جِدَّنَا فِي بِنَا غَدِ