تِينَا - عمارة بن صالح عبدالمالك

ليتَ حبْسِي يطولْ
و قراراتِ التَّسفيِر تزولْ
ليتنِي لا أعودُ إلى بلدِي
أيَّ عَوْدٍ
في يومِي أو غدِي
إلا يدُكِ في يدِي
ليتنِي!..
ما أعظمَها مِحنتِي
ما أضعفَها قُدْرتِي
ليتني!..
لا ... لا ...
أبدًا ... وَحْدِي
لنْ أُسافرْ!
أبدًا ... وَحْدِي
لنْ أُغادرْ!
لا ... لنْ أصعدَ الطَّائرهْ
لا ... لنْ أركبَ البَاخرهْ
أبدًا ...
لنْ أُغادرَ " بلجيكَا "
دونَكِ أنتِ يا " تينا ".
***
" تينا " يا روحِي
هلْ تقبلينَا؟!
السُّلطةُ سوفَ تُهدِّمُ ما قدْ بَنَيْنَا
مِنْ حبٍّ مَلاكيٍّ و هوًى
قدْ لا يُبْنَى في سِنِينَا
و السَّجَّانُ يا " تينا "
سَيُفرِّقُنا
و يبدِّدُ كَّل مَساعِينا
يا عُمْرِي؛ هلْ تَقْبَلِينَا؟!
لا ... لا ...
اُقتلُونِي
و لا تُرجعُونِي من غيرِها
فأنا لَمْ أُعلنْ عنْ حُبِّي
وَ هْيَ لمْ تُعلنْ بعدُ عن حبِّها
ما زالَ الْحُبُّ فَتِيًّا لا تظلمُوه
ما زالَ جديدًا لا تحرمُوه
و دعُوهُ
و دعُوهُ
" يعملْ و يَمُرْ!!! "
***
" تِينَا "
لا تشبُهها امْرأةٌ
في القرنِ الواحدِ و العشرينْ
طِيبةٌ،
أدبٌ،
عِلْمٌ،
و جمالٌ
في أنثى اجْتمعُوا
في السِّنِّ الخامسِ و العشرينْ
هِيَ طَيِّبةٌ في أقوالِها
مُتأدِّبةٌ في أفعالِها
مُتعلِّمةٌ مُتطلِّعةٌ
حسناءُ كحسنِ النَّرجَسِ و النِّسرينْ
آهٍ لك آهْ
في حبْسِ التَّسفيِر يا قلبِي الْمِسْكينْ!
" تينا " امْرأةٌ
لا تساويها امْرأةٌ
شقراءُ مُمرِّضةٌ
تُشفِي الأسْقامَ بِنظْراتٍ مِنْ عَيْنيْهَا
تُجْلِي الأحزانَ بِكِلْمَاتٍ أوْ بَسْماتٍ
من على شَفَتيهَا
" تينا "
أُورُوبِّيَّةٌ نصرانِيَّهْ
لا تعرفُ معنًى لِلعُنصُريَّهْ
خِرِّيجةُ مدرسةِ الإنسانيَّهْ
" تينا "
يَتَمنَّاها مليونُ رَجُلْ!
كلَّ أُمسيةٍ
أترقَّبُها منْ نافذتِي
من عيادةِ حبسِ التَّسفيِر تأتينَا
تأتي بالأدويةِ اليوميّةِ للمرضى الْمُتْعَبينَا
تتفقَّدُنا نحنُ - البؤساءَ المسَاجينَا -
تُعطِينا الدَّواءَ و تفهمُنا
كم من حبّةٍ
كم من قطرةٍ
كم من جُرْعةٍ
كم من مرَّةٍ
آهٍ!.. آهْ!..
كم تُواسِينا
كم تُواسِينا
في مِحنتِنا " تينا ".
***
اُتركوُنِي في الحبسِ أبقى اتْركوُني
بينَ الْغُرباءِ أغرَّ بنا الْحُلُمُ
بين الْبُؤساءِ؛ مِنَ الأرضِ للأرضِ
شرَّدَنا الألَمُ
اُتركوني
لا تُرجعُوني وحدِي إلى بلدِي
لا تَنْتِزعُوا الْقلبَ من جسَدِي
لا تَفتَكُّوا يدَها من يدِي
و دعُوني أحيا
و دعُوني أحيا
ما أحلى حياةَ السِّجنِ إذا
فيه عِشْقٌ و حُبْ!
***
اُذكُرِي دائمًا أوَّلَ التَّيَّارِ
قلتُ: " عندِي إحساسٌ بِدُوَارِ"
قلتِ: " لكنْ لا يبدُو
أنَّ عندَك إحساسًا بِدُوَارِ! "
و ابْتسَمْنَا ...
قلتُ: " عندِي حُزْنٌ في قلبِي "
قلتِ: " ليستْ مُشكلتِي!
لا أعالجُ أحزانَ القلبِ! "
و ابتسمنا ...
و تلاقيْنا مرَّاتٍ
و مرَّاتٍ
و ابتسمنا ...
و ابتسمنا ...
و تبادلْنا الحبَّ في النَّظَراتِ
فقطْ ... في النَّظَراتِ
أتمارضُ أحيانًا
كيْ أعودَ الطَّبيبَ
فقطْ ... لِأَراكِ!
أدَّعِي أيَّ شَيْءٍ
فقطْ ... كيْ أراكِ!
لا طبيبَ يُداوينِي إلَّاكِ
لا دواءَ يعالجُ دائِي
غَيْرُ رُؤْيَاكِ
أنتِ ...
يا أحلى شقراواتِ " بلجيكا "
دائي و دوائي ؛؛؛
فاتْركيني
اُتركيني ... دومًا أراكِ!!!
***
" تينا "
لا تَغِيبِي نهايةَ أسبوعٍ واحدٍ
فغِيابُكِ يتركُ عندِي
نَوْبَاتٍ قَلْبِيَّهْ
ذَبْحَاتٍ صَدْرِيَّهْ
أَرَقًا
قَلَقًا
و هَلاوِسَ فِكْرِيَّهْ
مَنْ يُداوِيني؟!
أغدُو كالمجنونِ
أتردَّدُ بين السَّريرِ
إلى الشُّبَّاكِ إلى التِّلِفِزْيُونِ
هيَّا اشْتَغِلِي كلَّ الأيَّامِ
ألغِي تشريعَ الدَّوْلَةِ للإعْدامِ
اُكتبِي لِلوزارةِ أو لِلمُديريَّهْ
قولِي لَهُمُ:
" في الْمَرْكزِ مَحْبُوسٌ، إنْ غبتُ
توقَّفَ قلبُه مثلَ البَطَّارِيَّهْ! "
***
إنِّي مجنونٌ بكِ
وَ أنا الْمَحْظُوظُ الأعقلُ بين الْمَجَانينِ
من فضلكِ يا أملِي
خبِّريني
هلْ نحقِّقُ يومًا أمانِينا؟
هلْ تُرَى تَتشَابَكُ يومًا أيادِينا؟
خبِّريني
من فضلِك كيْ أرتاحْ.
قوليِ شيئًا
الْحُبُّ شعورٌ مُحتَرمٌ
لا يَكْتُمُهُ الْبَشَرُ
أعْرِبِي
قُوليِ كِلْمَةً
إنَّ كِتْمَانَ الْحُبِّ يَفضَحُهُ الْبَصَرُ
لا تَخَافِي مِنْ أَحَدٍ
مِنْ وَزِيرٍ
أوْ مِنْ مُديرٍ
الْحُبُّ أباطِرةُ الأرضِ تَعرفُهُ
و ملوكُ الدُّنيا و الْأُطُرُ
أفصحِي يا آنستِي
خلِّصينِي من سِجْنِي
ليسَ في الْحُبِّ عَيْبٌ يُسْتَترُ.
إنِّي أهْوَاكِ بلا حَدٍّ
و أنا أحْكَمُ الْخَلْقِ بين الْمَسَاجِينِ
أهْوَاكِ هوًى مِيتَّافِزِيقِيًّا
نابضًا في شَرايينِي
أهواكِ بلا حدٍّ يا مَلاكيِ
فامْنحينِي حُرِّيَّتِي
ثمّ زِيدينِي هَاتِيكَ الْيَدَيْنْ.
***
الْخَواتِمُ زادتْ جمالًا
أصابعَكِ الْبَيْضَاءَ الرَّشِيقَهْ
فامْنحينِي بِنْصَرَكِ الْيُسْرَى
و ابْتساماتٍ كالْوَرْدِ رَقيقَهْ
مِنْ شِفَاهٍ خَوْخِيَّةٍ
لا تَمَلُّ ابْتسامَا.
عندمَا كنتُ طفلًا صغيرًا
أتَخبَّأُ تحتَ الْأَسِرَّةِ
أوْ أتخبَّأُ فوقَ السُّطُوحِ
هاربًا كالْقِطِّ بِرُوحِي
مِنْ أبِي و مَحَاقِنِهِ
كانتِ الشَّمْسُ تضربُني
مرَّةً تِلْوَ أُخْرَى
لأنِّي أعشقُها.
و لِأَنِّي أموتُ بِحُبِّ أَبِي
أحببتُكِ يا " تينَا "
" صَالحٌ " إِسْمُهُ
وَ هْوَ أصلحُ مِمَّا تَظُنِّينَا
مَهَنَ التَّمْرِيضَ ثَلَاثِينَا
و تَقَاعَدَ،،،
لكنْ ...
ما زالَ يُعْطِي لِلمَرضى حُقَنًا
لا تقاعدَ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرِ عندَهُ
عن خدمةِ الآخَرِينَا
فَاعْجَبِي يا رُوحِي و ابْتَسِمِي
يا أحلى شِفَاهٍ
و أحلى خُدُودٍ
في لَوْنِ الرُّمَّانْ
فيكِ أنتِ
وفي وَالِدي
أحببتُ الإِنْسَانِيَّةَ و الإنسانْ.
***
السَّجَّانْ!!!
السَّجَّانُ يا " تينَا "
سَيُبَاعِدُنِي عنكِ
باسْمِ الْقَانُونِ
سَيُحَطِّمُ أحلامِي
بِلِقَائِكِ حُرًّا في " بْرُوكْسَلْ "
أيضًا ... باسْمِ الْقَانُونِ
سَيَشُلُّ يَدِي
في صُنْعِ غَدٍ مَيْمُونِ
مَعَكِ
مَعَكِ
أنتِ يا " تينَا "
السَّجَّانْ!!!
يَدَّعِي السَّجَّانُ بأنِّي لا شَرْعِيٌّ
و تَسْفِيرِي أمْرٌ حَتْمِيٌّ
و بِأنَّ السِّجْنَ مُجَرَّدُ إِجْرَاءٍ
لِاسْتِكْمَالِ الْإِجْرَاءَاتْ
أيُّ إِجْرَاءَاتْ؟؟؟!!!
النَّاسُ جميعًا لا شَرْعِيُّونْ
النَّاسُ جميعًا مُرْتَحِلُونْ
في هذا الْوُجُودْ!!!
مِنْ هذا الْوُجُودْ!!!
أيُّها السَّجَّانُ تَمَهَّلْ!
هلْ آذَيْتُ مِنْ إِنْسَانٍ؟
هلْ آذيتُ من حيوانٍ؟
هلْ آذيتُ من شَيْءٍ؟
لا.
إذنْ، أنتَ يا سجَّاني الْجانِي
من فضلِكَ دعْنِي و شَانِي
إنَّ "تينَا" الشَّقْرَا و "بلجيكا" تُحِبَّاني.
***
الْغُربةُ عن وطنِ الْمِيلادِ
مُغامرةٌ كبرى
و الأسفارُ من بلدٍ
و إلى بلدٍ
أسفارٌ مُتْعِبَةٌ
تستوجبُ قلبًا جريئًا و صَبْرَا
تستوجبُ معرفةً بالدُّنيا
عِلْمًا، حِلْمًا، زَادًا، ثُمَّ أَزْرَا
الغربةُ من غيِر حُبٍّ
أقسى مُغامرةٍ
هلْ يا " تينَا "
تقبلينَ دخولَ مغامرتِي الكبرى؟
الغربةُ من غيِر حُبٍّ
يا أملِي
سرقتْ سنواتٍ من عُمُرِي
و امْتصَّتْ مثلَ الْيَعْسُوبِ
بعضَ شَبَابِي
أذبلتْنِي كأزهارٍ
في حرَارةِ آبِ
آهٍ ... يا بعضَ شَبابِي!
الغربةُ في وَطَنٍ ثانٍ
لا حبيبَ بهِ
كالنَّبْتَةِ من غيِر يَخْضُورِ
كالْخُضْرَةِ في الدَّيْجُورِ
آهٍ ... يا " تينا " ... آهْ!
كلَّ يومٍ نكبرُ دونَ شُعُورِ
كلَّ يومٍ نشعرُ في عمقِنا
بالضَّيَاعِ الْمَنْثُورِ
كلَّ يومٍ يكبُر فينا
حبُّ الأطفالِ
هلْ تَمُوتِينَ يا " تينا "
مثلِي حُبًّا في الأطفالِ؟
هلْ تُحِبِّينَ أنْ تَقْرَئِي
مثلِي قِصَصَ الأطفالِ؟
هلْ تُحِبِّينَ مثلِي
أقاصيصَ الْعُشَّاقِ الأبطالِ؟
الآنَ فقطْ
أحسستُ بآلامِ الْعَاقِمِينْ
الآنَ فقطْ
أدركتُ مقامَ الْأُبُوَّهْ
أدركتُ مقامَ الْأُمُومَهْ
ما أعظمَ أن يصبحَ الْمَرْءُ مِنَّا أبا
و الْمَرْأَةُ أُما
ما أعظمَ لَوْ
أممُ الأرضِ قاطبةً
تَتَوَحَّدُ في أُمَّهْ!
***
أرضُنَا ... يا " تينا "
في خطرٍ
لَأَخَافُ عليها من هذا الآدَمِيِّ الغَبِي
كُلّمَا زادَ شيئًا تَحَضُّرُهُ
زادتْ هَمَجِيَّتُهُ
كُلّمَا ازْدادتْ تِكْنُولُوجِيَّتُهُ
اِسْتَشْرَتْ عُدْوَانِيَّتُهُ
كُلّمَا كَبُرَتْ عَضَلَاتُهُ
عادَ لِشَرْعِ الْغَابِ
و عَصْرِ " الْبَقَاءِ لِمَن هُوُ أَقْوَى
لا أصلحْ "!
فَدَعِينَا نُصْلِحُ عالَمَنَا
مَا أمْكَنَنَا
نصلحُ الْقِطَعَ الْمَكْسُورَةَ فيهِ
نُخِيطُ الثُّقوبَ
و نجمعُ أشلاءً أُخْرَى
و دَعِينَا بِقَلْبَيْنَا
نَضَعُ الْحَدَّ لِلَّعْنَهْ.
لَكَأَنِّي أُحِسُّ بِبَدْءِ النِّهَايَهْ
و انْتِهَاءِ الْبِدَايَهْ
و أخافُ انْقطاعَ الأنْسَالِ
و انْقِراضَ الأجْيالِ
فَدَعِينا نُكْمِلُ دَوْرَ الْحَيَاهْ!
أرضُنا هذي ... شاختْ
كلَّتْ مِنَّا
لا بدَّ لها
مِنْ أنْ تَتَخلَّى عنّا
لا بدَّ لها يومًا
مِنْ أنْ تَخْتَنِقْ!
فَدَعِينَا ... بالْحُبِّ نُعْطِيهَا الْأُوكْسُجِينْ
و نُضِيفُ إلى عُمْرِهَا
آلافَ السِّنِينْ
بِالْحُبِّ فقطْ تَسْتَمِرُّ الْحَيَاهْ
بِالْحُبِّ فقطْ ...
أُمَمُ الْأَرْضِ قاطبةً
تَتَوَحَّدُ في أُمَّهْ!