في رحاب الذات - محمد الأمين سعيدي

ليلُ المُعَانَاةِ مَا وَلّى و مَا ذهبَا
وصَائدُ الحسنِ منْ ظلمائِه هَرَبَا

والليلُ ينسجُ منْ أوجاعِه مُدُنًا
مجنونَة أ لْبستْ في ظلِّه حُجُبَا

نبْعُ المحبّةِ ما عادتْ عذ ُوبتُه
تُبرّدُ القلبَ ، ذاكَ النبْعُ قدْ نَضَبَا

ولمْ تعُدْ حُرْقَة العشَّاق مُحْرِقَة ٌ
فالدهْرُ علَّقَ في أجوائِها سُحُبَا

العشْقُ و الجُرْحُ و الأوْتارُ تعزِفني
لحْنا يُوَزّع في أعْمَاقيَ الصّخَبَا

والشِعْرُ يَرْفُضُ أنْ تقْتاتَ روعتُه
من نفْسِ مَنِ لمْ يذقْ في دهرِه لَهَبَا

عاركْتُ حرْفيَ حتَّى كِدْتُ أ َصْرَعُهُ
لكنْ فقدْتُ جنوني فالتَوَى و أبَى

أنا الغريقُ و كفّ الحُزْنِ تُغرِقني
والشِعرُ ينْحَتُ مِنْ آلاميَ الأدَبَا

عَصَرْتُ خمْرة َحُزْني فانتشَى تَعَبِي
وذاقَ قلبيَ حُزْنِي فانْتشَى تَعَبَا

أنا الممزّقُ و الأحزانُ قاتِلتي
سكبتُ دمْعي فجاءَ الجمرُ منسَكِبَا

لا شيْءَ يترُكُ هذا الشِعْرَ متّقدًا
إلا أنينُ الذي كمْ ظلّ ملتَهِبَا

فالخمْرُ مهْما غزَى الحانات مفتخِرًا
لاريْبَ يَحْمِلُ فِي طيَّاتِهِ عِنَبَا

بوْحُ المساحاتِ هلْ ضاقتْ مساحتُهُ
لكيْ يُخبّئ في أرواحِنا العَطَبَا

ولوعة ُالقلْبِ هلْ صارتْ موَانئها
تستقْبِلُ الحرْفَ مذلولاً و مغتَصَبا

ركبْتُ أمواجَ حُزْني و هْي هائِجة
فصادَرَ الصبرُ أمواجي و ما رَكَبَا

إني لأفتكُ بالأحْقَادِ وهْي دم ٌ
تبّتْ يدايَ إذا لمْ أنزل الغَضَبَا

قبّلْتُ رَمْلَ جِراحي وهْو قبّلني
فأحْرقَ الشوقُ في صَحْرائِهِ العَصَبَا

طارَدْتُ فَوْقَ سماءِ الوجْدِ أخيلة ً
وعِشْتُ كالجِنّ ملْعُونًا و مُغْتَرِبَا

وطَارَدَتْنِي سَمَاواتٌ و شَعْوذَةٌ
وتَمْتَمَات ..ولمْ تلمسْ يَدي شُهُبَا

أنا المحرّقُ في نيرانِكُمْ ..فدمي
يزيدُ عِطرا إذا مَا ظلّ مُلتَهِبَا

أنا المحصّنُ و البلْوى تُحصِّنُني
فكيفَ يُهزمُ قلبٌ لمْ يذقْ طَرَبَا

مازجْتُ جُرحِي بجُرحي فاستعادَ فمي
جُرْحًا يُنغِّم في أعماقيَ الكُرَبَا

هاجمْتُ نفسي بنفسي فاعْتلى أدبي
وزَوْرَقي راقصَ الإعْصار ما انقَلَبَا

أطعمْتُ للنّار أوزاري و زندَقتي
وأنت تعرفُ يا ربّ الهوى السَبَبَا

فكلّ ما كان مِنْ ذنبٍ و مِنْ خطأ ٍ
في صفحتي حاربتْهُ الروح فانْسَحَبَا

مدائنُ الحقدِ منْ أخْطائِكم نُسجتْ
يا من تعمّد تنصيبَ الهوانِ أبَا

أبكي على نسب الأجدادِ في زمن
دوما يُفرّخُ في صحْرائنا عَرَبَا

إني تبرَّأتُ منْ أصْلي ومن نسبي
خلُّوا حروفي وبِيعوا دونَها النَسَبَا

الشِعْرُ أرْفَعُ مِنْ أحْلامِكم رُتَبًا
فمن سيبلغُ مِنْ أحْلامِيَ الرُتَبَا؟

إنِّي توضَّأتُ بالإحساسِ فانْطلقتْ
رُوحي إلى ملكوتِ العشقِ ريحُ صِبَا

وأ ُسدِلَ النُّورُ في مِحْرابِ قافيتي
فكنتُ مَنْ عَانقَ الألحانَ و انْجَذَبَا

أنا المقاتِل بالأشواقِ في زمن ٍ
يُعلّمُ الصبرَ أنْ ينأى و يغتَرِبَا

..وسِرْتُ منِّي إلَيّ اليوم قافلة ً
مِن الهُموم بهَا عُمْري الذي ذَهَبَا

فطاردْتني عُيُونُ النَهْبِ ..واعَجَبِي
هلْ أصبحَ الهمّ فِي أيّامِنا ذهَبَا