ما لم يقله الشعراء - أحمد اللهيب

من مذكرات أبي الطيب المتنبي المنسية
محرم 1423 هـ
لقدْ جاءَ يركضُ مثلَ السّرابِ على مَهْيَعِ الشّمسْ،
يرْتشفُ الموتَ مِنْ مُقلةِ الأدْعياءْ ،
فينْتَفضُ الحُزْنُ في راحةِ القَهْرْ،
ويلمعُ منهُ الضّياءْ .
وفي دَورةِ الأرضِ يُورقُ وجهُ المساءْ،
فيُمسكُ عن قولهِ : الخيلُ والليلْ ....
لأنّ الذي كانَ يعرفهُ – في غدٍ - أنكرَه .
فيحفرُ في يقظةِ الصّبرِ جُرحاً،
يُواريهِ كاليأسِ في كفّ كافور،
ويمضي إلى ساحةِ الذُّلّ كالسيلْ.
سيُوقظُهُ الفجرُ عن صرخةِ المَجد
لقد كانَ في أرضِ مصرَ غريباً:
" ولكنْ أرى الوَجْهَ وجهيَ
والقول قوليَ
والكفَّ كفيَ
ولكنْ أرى القومَ لا يفهمون ........ "
لقد أَنْبَأتُهُ الليالي بعَجْزِ الرّجال .
فما عادَ يحملُ إلا رغيفاً من الخُبْزِ،
وقطعةَ جُبْن.
شخصُهُ قدْ تراءى على مِنْبرِ القُدْسِ...
يحملُ في جَوْفِه الموت...
مُنْبَثقاً في الشُرُفات على بسمةِ الحُبّ .
لقدْ كانَ في ما مضى يرْقُبُ الضوءَ في الوَجَنَاتِ،
تُمزّقُهُ ساعةُ الإنتظارِ أمامَ الوفودْ،
وفي عَيْنِه تتجلّى خيوطُ الزّمنْ.
فأينَ المَواثيقُ، أينَ الوعُودْ؟،
وأينَ دعاواكمُ " صحةُ العَقلْ "؟،
لقدْ صارَ كلُّ الذي تأْلمون،
وما صارَ بعضُ الذي تأمَلون.
ألستمْ ترونَ" طريقَ الشّجاعةْ
وطرْق النّدى " ؟.
لقدْ كانَ مِن بينكمْ مَنْ يرددُ :
" لا يُفلحُ القومُ مولاهمُ العُجْم ".
وقد كانَ فيما مَضى ...
يُضَاجعُهُ الفخرُ حينَ ينامُ على مَفْرشِ الطّين،
وقدْ كانَ يحلمُ في كلُّ يومٍ عسى أنْ يكونَ
عزيزاً شريفا .
وقد كلّلتُهُ الدماءُ بريحِ الخُلودْ،
وما كانَ أقتَلهُ موعداً !
إنّهُ الذُّعرُ يفْتكُ بالقَلْبِ قَبْلَ اللّقاء،
ولكنّهُ كانَ أصبرَ منكمْ،
وأقتلَ منكمْ،
وأشجعَ منكم،
ومنْ كُلّ مَنْ صافحَ الغَدْرَ،
ومن كلّ مَنْ كانَ تَحْتَ الغِطاء.