مالي بدارٍ خلَتْ من أهلِها شُغُلٌ ، - أبو نواس

مالي بدارٍ خلَتْ من أهلِها شُغُلٌ ،
ولا شَجاني لها شَخصٌ ولا طَلَلُ

ولا رُسُومٌ، ولا أبكي لمَنْزِلَة ٍ،
للأهل عَنها، وللجيرانِ مُنْتَقَلُ

ولا قَـطَـعْتُ على حَرْفٍ مذَكَّرَة ٍ
في مرْفَقَيْها، إذا استَعرَضْتهَا، فَتَلُ

بيْداءَ مقْفِرَة ً يوْماً، فأنْعَتها،
ولا سـرَى بي ، فأحكيـهِ بها ، جملُ

ولا شَتَوْتُ بها عاماً فأدرَكَني
فيها المَصيفُ ، فلي عن ذاكَ مرْتحَلُ

ولا شَدَدْتُ بها مِنْ خَيمَة ٍ طُنُباً،
جارى بها الضّبُّ والحرْباءُ والوَرَلُ

لا الْحَزْنُ مني برأي العَينِ أعْرِفُهُ،
وليسَ يعرِفُني سَهْلٌ ولا جَبَلُ

لا أنعتُ الـرّوضُ إلاّ رأيتُ بـهِ
قَصراً مُنيفاً، عليهِ النّخلُ مشتَمِلُ

فهاكَ من صِفتي إن كنتَ مُـختَبـراً ،
ومُخبـراً نَـفـراً عني ، إذا سـألُـوا

نخلٌ، إذا جُلِيَتْ إبّانَ زينتِها،
لاحَتْ بأعنـاقِهـا أعْـذاقُـها النُّـحُـلُ

أسقاطُ عَسجَدِهِ فيها لآلِئها،
منـضُـودَة ٌ ، بسمـوطِ الدُّرّ تتّصِـلُ

يَفْـتَضّـها فَـطِـنٌ عِـلْـجٌ بها خَبِـرٌ ،
فضَّ العذارى ، حُلاها الرَّيطُ والحُللُ

فافتَضّ أوّلَها منها وآخرَها
فأصْبَحَتْ، وبها مِن فَحلِها حَبَلُ

لم تَمْتَنِعْ عِفّة ً منْهُ، ولا وَرَعاً
بلا صَـداقٍ ، ولم يُوجَـدْ لها عَقَـلُ

حتى إذا لَقِحَتْ أرْختْ عَقائِصَها،
فمالَ مُنتَثِـراً عُرْجونُها الرجِـلُ

فَبِيْنَما هي والأرْواحُ تَنْفَحُها،
شهريـنِ بارحَـة ً وَهْناً ، وتَنتَحِـلُ

أرْخَتْ عُقـوداً مِنَ الياقوتِ تُرْضِعُهُ ،
حتى تَمَكّـنَ في أوْصَالِهِ العَسَـلُ

يا طيبَ تلكَ عرُوساً في مَجاسِدِها،
لو كانَ يَصْلُحُ منهـا الشّمُّ والقُبَـلُ

خلالَها شَجَرٌ في فيْئِهِ نَقَدٌ،
لا يرْهبُ الذّئْبَ فيها الكبشُ والحملُ

إنْ جئتَ زائـرَها غَنّـاكَ طائِـرُها ،
برجع الحنة في صوتها هدل

من بُلْبُلٍ غَرِدٍ ناداكَ مِن غُصُنٍ،
يَبكي لبُـلْـبُلَـة ٍ أوْدَى بهـا خَـبَـلُ

هذا فصِفْهُ، وقلْ في وَصْفِهِ سدَداً،
مُدّتْ لواصِفِهِ في عُمرِهِ الطِّوَلُ

ما بينَ رَبْـعٍ ولارَسْـمٍ ولا طَـلَـلٍ
أقوى وبَينيَ في حكمِ الْهَوَى عملُ

مالي وعَوْسَجُها بالقاعِ جانيها
أفعَى يُقابِلُها عَن جحْرِهِ وَرَلُ

إنّي امـرُؤٌ همّتي ، واللهُ يكـلؤني ،
أمْرانِ ما فيهِما شرْبٌ ولا أكلُ

حبّ النديم، وما في النّاسِ من حسنٍ
كفّـي إلَيـهِ إذا راجعْتُـهُ خَـضِـلُ

لا أمْـدَحَـنّ ولا أُخْـطي خَلائقَـهُ
مَنْ عنْده لي إذا ما جئتُهُ نُزُلُ...