غدوْتُ، وما يشْجي فؤادي خَوَادشٌ - أبو نواس

غدوْتُ، وما يشْجي فؤادي خَوَادشٌ
و ما وطَري إلاّ الغَوايَة ُ والخمْـرُ

معتّقـة ٌ ، حمراءُ ، وَقْـدَتُها جَـمـرُ،
ونَكْهتُها مسْكٌ، وطَلْعتُها تِبرُ

حطَطْنا على خمّارِها، جُنْحَ ليلة ٍ،
فلاحَ لنا فجرٌ، ولم يطْلعِ الفجْرُ

و أَبْرَزَ بِـكْـراً مُـزّة َ الطـعْـم، قـرْقَـفَا
صَنِيعَة َ دِهْقانٍ، تراخَى له العُمرُ

فقال: عرُوسٌ كان كسرَى ربيبَها،
معـتّـقـة ٌ، من دونـها البابُ والسّـتْرُ

فقلتُ: أدِلْ منْها العنان، فإنّني
لها كُفْءُ صِـدْقٍ ، ليس من شيمي العُسرُ

فجـاءَ بها شَـعْـثـاءَ ، مشْـدُودَة َ القَرَا،
على رأسها تاجٌ، ملاحِـفُهـا عُـفـْــــرُ

فلمّــا توجّى خـصْـرَها فـاحَ ريحُهـا
فقلتُ: أذا عِطرٌ؟ فقال: هوَ العطرُ

وأرسلتُها في الكأس راحاً كريمة ً،
تَعَطّرُ بالرّيْحانِ، أحْكَمَهَا الدهْرُ

كـأن الزّجاجَ البِيضَ منها عَــرائسٌ،
عليهِنّ بين الشَّرْبِ أرْدِيَة ٌ حُمْرُ

إذا قُهِـرَتْ بالماءِ ، راقَ شُـعاعُـها
عُـيونَ النّـدامى ، واستمـرّ بها الأمـرُ

وضـاءَ من الحلْي المُـضاعَـفِ فوْقها
بدورٌ، ومرْجانٌ تألّفَهُ الشَّذرُ

كأَنّ نجومَ اللّيـلَ فيها رواكــدٌ؛
أقمن على التأليفِ، آنِسُها البدْرُ

وصَلْتُ بها يوْماً بليْلٍ وصلْتُهُ
بأوّلِ يومٍ، كانَ آخِرَهُ السّكْرُ

وظَـبْيٍ، خلوبِ اللفظِ ، حُـلوٍ لوَجهِـهِ،
وأمْكَنَ منه ما تحيطُ به الأُزْرُ

فقمْتُ إليه، والكرَى كُحْل عيْنِه،
فقبّلْتُهُ، والصّبّ ليس لَهُ صَبْرُ

وقَبَّلْتُهُ ظهْراً لبطْنٍ، وتارَة ً
يكـون بسـاط الأرضِ بالباطـنِ الظهرُ

إلى أنْ تجلّى نومُه عن جفونِه،
وقال: كسبتَ الذنْبَ! قلتُ: ليَ العُذْرُ

فأعْرَضَ مزْوَرّاً، فكان بوجْهِهِ
تَفَقّؤ رُمّانٍ، وقد بَرَدَ الصّدْرُ

فما زلْتُ أرقِيهِ، وألْثُمُ خَدّهُ
إلى أن تَغَنَّى راضياً وله الشّكْرُ: