سقَى الله ظبياً مُبْديَ الغُنْجِ في الخطْرِ - أبو نواس

سقَى الله ظبياً مُبْديَ الغُنْجِ في الخطْرِ
يميسُ كغِصْنِ البان من رِقّة ِ الخصْرِ

بعينيه سحْرٌ ظاهرٌ في جفونهِ،
وفي نَشْرِهِ طيبٌ كفائـحـة ِ العِـطـــرِ

هو البدر، إلاّ أنّ فيهِ مــلاحــة ً
بتفْتيرِ لحْظٍ ليْسَ للشمسِ والبدرِ

ويضْحكُ عن ثَغْرٍ مليحٍ كأنّهُ
حُبَابُ عُـقارٍ، أو نقيٌّ من الدُّرِّ

جفاني بلا جُـرْمٍ إليْهِ اجترَمْتُهُ ،
و خلّفَـني نِضْـواً خلِـيّاً من الصّـبرِ

ولوباتَ ، والهجرانُ يصْدعُ قلبَهُ ،
لجادَ بوصْلٍ دائمٍ آخرَ الــدّهْــرِ

مخافـة َ أنْ يُبْـلى بهَجْـرٍ وفُرْقـة ٍ ،
فيـلْقَى من الهِجْـرانِ جمراً على جمرِ

سقى الله أياماً، ولا هجْرَ بينَنَا،
وعُودُ الصِّبَا يهتَزّ بالورق النّضرِ

يباكرُنَا النّوْروزُ في غَلَسِ الدُّجى
بنَوْرٍ على الأغْصَانِ كالأنجمِ الزُّهرِ

يلوحُ كأعْلام الْمَطارِفِ وشْيُهُ
من الصّفرِ فوْق البيضِ والخُضرِ والحمرِ

إذا قابَلَتْـهُ الرّيـحُ أوْ مَا بـرَأسِهِ
إلى الشّرْبِ أن سُرّوا، ومالَ إلى السّكْرِ

و مسمعة ٍ جاءَتْ بأخرَسَ ناطقٍ،
بغيرِ لسانٍ ظَلّ ينطقُ بـالسّـحــرِ

لتبـديَ سـرّ العاشقيـن بصـوته ،
كما تَنطقُ الأقدامُ تجهرُ بـالسّــرّ

تَـرَى فَخِذَ الألْـواحِ فِيها كأنّهـا
إلى قَدَمٍ نِيطَتْ تضجّ إلى الزَّمْرِ

أصابعُها مخضوبة ٌ ، وهي خمسة ٌ ،
تختَّمْنَ بالأوتَارِ في العُسْرِ واليُسْرِ

إذا لحقتْ يـوماً لُـوي اصْبَعٌ لها،
فتحكي أنينَ الصّبّ من حُرقة الهجرِ

تقول، وقد دبّتْ عُقَارٌ كأنّها
دمٌ ودموعٌ فوق خدّ، إذا تجري:

سـلامٌ على شخصِ ، إذا ما ذكرْتُهُ
حَذِرْتُ من الوَاشينَ أن يهتِكوا سرّي

فبغضُ النـدامَى في سرُورٍ وغبْطة ٍ ،
وبعضُ النّدامَى للمُدامة ِ في أسرِ

وبعضٌ بكى بعضاً، ففاضَتْ دُموعُه
على الخَدّ كالمَرْجانِ سال إلى النَّحرِ

فساعدتُهُمْ علْماً بما يورِثُ الهـوى ،
وأنّ جنونَ الْحُبّ يُولَعُ بالْحُرّ

فَـسقْـياً لأيّـامٍ مضَتْ ، وهيَ غَضّـة ٌ،
ألا ليتَها عادتْ ودامتْ إلى الحشْرِ