أما يسُرُّكَ أنَّ الأرضَ زَهْراءُ - أبو نواس

أما يسُرُّكَ أنَّ الأرضَ زَهْراءُ
و الخمرُ ممكنتٌ، شمْطاءُ عذْراءُ

ما في قعودِكَ عذْرٌ عن مُعَتَّقَة ٍ
كاللّيل وَالدُها، وَالأمّ خَضراءُ

بادِرْ؛ فإنّ جِنَانَ الكَرْخ مُونقَة ٌ
لمْ تلْتَقِفْها يدٌ للحرْبِ عَصْراءُ

فيها من الطيْرِ أصنافٌ مُشَتتَّة ٌ
ما بينهنّ، وبين النّطْقِ شَحْنـاءُ

إذا تَغَنّينَ لا يُبْقِينَ جانِحَة ً،
إلاّ بِهَا طَرَبٌ يُشْفَى بهِ الدّاءُ

يا رُبَّ منزل خمّارٍ أطَفْتُ به،
و الليلُ حُلَّتُه كالقارِ سوْداءُ

فقام ذو وفْرَة ٍ من بطْنِ مضْجَعهِ
يميلُ من سكرهِ، والعينُ وَسْناءُ

فقالَ:منْ أنتَ؟! في رفْقٍ، فقلتُ له:
«بعضُ الكرام!» وَلي في النّعت أسماءُ

و قلتُ:إنّي نحَوْتُ الخمرَ أخطبُها!..
قال:الدراهمَ!..هل للمهرِ إبْطاءُ؟!

لَمّا تَبَيّنَ أنّي غَيرُ ذي بَخَلٍ،
و ليس لي شُغُلٌ عنها وإبطاءُ

أتَى بِها قَهْوَة ً كالمِسْك صَافيَة ً،
كَدَمْعَة ٍ مَنَحَتْها الْخَدَّ مرْهاءُ

ما زالَ تاجرها يَسْقي، وأَشْرَبُها،
وَعندَنا كاعِبٌ بَيضاءُ، حَسناءُ

كَمْ قد تَغَنّتْ، وَلا لَوْمٌ يُلِمّ بنا
«دعْ عنكَ لوْمي؛ فإنّ اللّوْمَ إغراءُ»