الله أعظم مما جال في الفكر - ابن مشرف

الله أعظم مما جال في الفكر
وحكمه في البرايا حكم مقتدر

مولى عظيم حكيم واحد صمد
حي قديم مريد فاطر الفطر

يا رب يا سامع الأصوات صل على
رسولك المجتبى من أطهر البشر

محمد المصطفى الهادي البشير هدى
كل الخلائق بالآيات والسور

وآله والصحاب الكائنين به
كأنجم حوله من يسمو على القمر

أشكو إليك أمورا أنت تعلمها
فتور عزمي وما فرطت في عمري

وفرط ميلي إلى الدنيا وقد حسرت
عن ساعد الغدر في الآصال والبكر

يا ربنا جد بتوفيق ومغفرة
وحسن عاقبة في الورد والصدر

قد اصبح الخلق في خوف وفي ذعر
وزور لهو وهم في أعظم الخطر

واللقيامة أشراط وقد ظهرت
بعض العلامات والباقي على الأثر

قل الوفاء فلا عهد ولا ذمم
واستحكم الجهل في البادين والحضر

باعوا لأديانهم بالبخس من سحت
وأظهروا الفسق بالعدوان والأشر

وجاهروا بالمعاصي وارتضوا بدعا
عمت فصاحها يمشي بلا حذر

وطالب الحق بين الناس مستتر
وصاحب الإفك فيهم غير مستتر

والوزن بالويل والأهواء معتبر
والوزن بالحق فيهم غير معتبر

وقد بدا النقص في الإسلام مشتهرا
وبدلت صفوة الخيرات بالكدر

وسوف يخرج دجال الضلالة في
هرج وقحط كما قد جاء في الخبر

ويدعى أنه رب العباد وهل
تخفى صفات كذوب ظاهر العور

فناره حنة طوبى لداخلها
وزور جنته نار من السعر

شهر وعشر ليال طوال مدته
لكنها عجب في الطول والقصر

فيبعث الله عيسى ناصرا حكما
عدلا ويعضده بالنصر والظفر

فيتبع الكاذب الباغي ويقتله
ويمحق الله أهل البغي والضرر

وقام عيسى يقيم الحق متبعا
شريعة المصطفى المختار من مضر

في أربعين من الأعوام مخصبة
فيكسب المال فيها كل مفتقر

وجيش يأجوج مم مأجوج قد خرجوا
والبغي عم يسيل غير منهمر

حتى إذا أنقذ الله القضاء دعا
عيسى فأفناهم المولى على قدر

وعباد للناس عبد الخير مكتملا
حتى يتم لعيسى آخر العمر

والشمس حين ترى في الغرب طالعة
طلوعها آية من أعظم الكبر

فعند ذلك لا إيمان يقبل من
أهل الجحود ولا عذر لمعتذر

ودابة في وجوه المؤمنين لها
وسم من النور والكفار بالقبر

والخلف هل فتنة الدجال قبلهما
أو بعد قد ورد القولان في الخبر

وكم خراب وكم خسف وزلزلة
وفيح نار وآيات من الندر

ونفخة تذهب الأرواح شدتها
إلا الذين عنوا في سورة الزمر

وأربعون من الأعوام قد حسبت
نفخا تبث به الأرواح في الصور

قاموا حفاة عراة مثل ما خلقوا
من هول ما عاينوا سكرى بلا سكر

قوم مشاة وركبان على نجب
عليهموا حلل أبهى من الزهر

ويسحب الظالمون الكافرون على
وجوههم وتحيط النار بالشرر

والشمس قد أدنيت والناس في عرق
وفي زحام وفي كرب وفي حصر

والأرض قد بدلت بيضاء ليس لها
خفض ولا ملجأ يبدو لمستتر

طال الوقوف فجاءوا آدما ورجوا
شفاعة من أبيهم أول البشر

فرد ذاك إلى نوح فردهم
إلى الخليل فأيدي وصف مفتقر

إلى الكليم إلى عيسى فزدهم
إلى الحبيب فلباها بلا حصر

فيسأل المصطفى فصل القضاء لهم
ليستريحوا من الأهوال والخطر

تطوي السموات والأملاك هابطة
حول العباد لهول معضل عسر

والشمس قد كورت والكتب قد نشرت
والأنجم انكدرت ناهيك عن كدر

وقد تجلى إله العرش مقتدا
سبحانه جل عن كيف وعن فكر

فيأخذ الحق للمظلوم منتصفا
من ظالم جار في العدوان والبطر

والرزن بالقسط والأعمال قد ظهرت
ووزنها عبرة تبدو لمعتبر

وكل من عبد الأوثان يتبعها
بإذن ربي وصار الكل في سقر

والمسلمون إلى الميزان قد قسموا
ثلاثة فأسمعوا تسقيم مختصر

فسابق رجحت ميزان طاعته
له الخلود بلا خوف ولا ذعر

ومذنب كثرت آثامه فله
شفع بأوزاره أو عفو مفتقر

وواحد قد تساوت حالتاه
له حبس وبين البشر والحصر

ويكرم الله مثواه بجنته
بجود فضل عميم غير منحصر

وفي الطريق صراط مدفوق لظى
كحد سيف سطا في دقة الشعر

الناس في ورده شتى فمستبق
كالبرق والطير أو كالخيل في النظر

ساعي وماش ومخدش ومعتلق
ناج وكم ساقط في النار منتثر

للمؤمن وروده بعده صدر
والكافرون لهم ورود بلا صدر

فشفع المصطفى والأنبياء ومن
يختاره الملك الرحمن في زمر

في كل عاص له نفس مقصرة
وقلبه عن سوى الرب العظيم برى

فأول الشعفا حقا وأخرهم
محمد ذو البهاء الطيب العطر

مقامه ذروة الكرسي ثم له
عقد اللواء بعز غير منحصر

والحوض يشرب منه المؤمنون غدا
كالارى يجري على الياقوت والدر

ويخلق أقواما قد احترفوا
كانوا أولى العزة الشنعاء والنجر

والنار مثوى لأهل الكفر كلهم
طياقيا سبعة مسودة الحفر

جهنم ولظى والحطم بينهم
ثم السعير كما الأهوال في سقر

وتحت ذلك جحيم ثم هاوية
يهوي بها أبدا سحقا لمحتقر

في كل باب عقوبات مضاعفة
وكل واحدة تسطو على النفر

فيها غلاظ شداد من ملائكة
قلوبهم شدة أقوى من الحجر

لهم مقامع للتعذيب مرصدة
وكل كسر لديهم غير منجبر

سوداء مظلمة شعثاء موحشة
دهماء مخرفة لواحة البشر

فيها الجحيم مذيب الوجوه مع
الأمعاء مر شدة الإحراق والشرر

فيها الغساق الشديد البرة يقطعهم
إذا استغاثوا بحر ثم مستعر

فيها السلاسل والأغلال تجمعهم
مع الشياطين قسرا جمع منقهر

فيها العقارب والحياة قد جعلت
جلودهم كالبغال الدهم والحمر

والجموع والعطش المضني ولا نفس
فيها ولا جلد فيها لمصطبر

لها إذا ما علت فور يقلبهم
ما بين مرتفع منها ومنحدر

جمع النواصي مع الإقدام صيرهم
كالقوس محنية من شدة الوتر

لهم طعام من الزقوم يعلق في
حلوقهم شوكة كالصاب والصبر

يا ولهم عضت النيران أعظمهم
بالموت شهوتهم من شدة الضجر

ضجوه وصاحوا أزمانا ليس ينفعهم
دعا داع ولا تسليم مصطبر

وكل يوم لهم في طول مدتهم
نزع شديد من التعذيب والسعر

كم بين دار هوان لا انقضاء لها
ودار أمن وخلد دائم الدهر

دار الذين اتقوا مولاهم وسعوا
قصدا لنيل رضاه سعى مؤتمر

وآمنوا واستقاموا مثل ما أمروا
واستغرقوا وقتهم في الصوم والسهر

وجاهدوا وانتهوا عما يباعدهم
عن بابه واستلانوا كل ذي وعر

جنات عدن لهم ما يشتهون بها
في مقعدين الصدق الروض والزهر

بناؤها فضة قد زانها ذهب
وعينها المسك والحصبا من الدرر

أوراقها ذهب منها الغصون دنت
بكل نوع من الريحان والثمر

أوراقها حلل شفافه خلقت
واللؤلؤ الرطب والمرجان في الشجر

دار النعيم وجنات الخلود لهم
دار السلام مأمونة الغير

وجنة الخلد والمأوى وكم جمعت
جنات عدن لهم من مونق نصر

طباقها درجات عدها مائة
كل اثنتين كبعد الأرض والقمر

أعلى منازلها الفردوس عاليها
عرش الإله فسل واطمع ولا تذر

أنهارها عسل مافيه شائبة
وخالص اللبن الجاري بلا كدر

وأطيب الخمر والماء الذي سلت
من الصداع ونطق اللهو والسكر

والكل تحت جبال المسك منبعها
يجرونه كيف شاؤوا غير محتجر

فيها نواهد أبكار مزينة
يبرزن من حلل في الحسن والخفر

نساؤها المؤمنات الصابرات على
حفظ العهود مع الإملاق والضرر

كأنهم بدور في غصون نقا
على كثيب بدت في ظلمة السحر

كل امرىء منهم يعطى قوى مائة
في الأكل والشرب والأفضا بلا خور

طعامهم رشح مسك كلما عرقوا
عادت بطونهم في هضم منصمر

لا جوع لا برد لا هم ولا نصب
بل عيشهم عن جميع النائبات عرى

فيها الوصائف والغلمان تخدمهم
كلؤلؤ في كمال الحسن منتثر

فيها الغناء والجواري الغانيات لهم
يا حسن الذكر للمولى مع السمر

لباسهم سندس حلاتهم ذهب
ولؤلؤ ونعيم غير منحصر

والذكر كالنفس الجاري بلا تعب
ونزهوا عن كلام اللغو والهذر

وأكلها دائم لاشيء منقطع
كرر أحاديثها باطيب الخبر

فيها من الخير ما لم يجر في خلد
ولم يكن مدركا للسمع والبصر

فيها رضا الملك المولى بلا غضب
سبحانه ولهم نفع بلا غير

لهم من الله لا نظير له شيء
سماع تسليمه والفوز بالنظر

بغير كيف ولا حد ولا مثل
حقا كما جاء في القرآن والخبر

وهي الريادة والحسنى التي وردت
وأعظم الموعد المذكور في الزبر

لله قوم أطاعوه وما قصدوا
سواه إذا نظروا الأكوان بالعبر

وكابدوا الشوق والأنكاد قوتهم
ولازموا الجد والأذكار في البكر

يا مالك الملك جد لي بالرضا كرما
فأنت لي محسن في سائر العمر

يا رب صل على الهادي البشير لنا
وآله وانتصر يا خير منتصر

ما هب نشر صبا واهتز نبت ربا
وفاح طيب شذا في نسمة السحر

أبياتها تسع عشر بعدها مائة
كلامها وعظها أبهى من الدرر