ألا خُذْها كمِصباحِ الظّلامِ، - أبو نواس
ألا خُذْها كمِصباحِ الظّلامِ،
سَليلَة َ أسْوَدٍ، جَعدٍ، سُخامِ
مُـعَتَّـقَـة ٌ ، كمَـا أوْفَى لنُـوح
سوَى خمسينَ عـاماً ، ألفُ عـام
أقامَتْ في الدّنان، ولم تَضِرْها،
ولكِنْ زانَها طُولُ المقامِ
أشَـبّهُهـا ، وقَـدْ صُـفّـتْ صُـفُـوفـاً ،
بأشياخٍ مُعَمَّمَة ٍ، قِيامِ
يشـجّ القـطْـرُ أرْؤسَها ، وتسقي
علَيها الرّيحُ عاماً بَعدَ عامِ
فجاءَتْ كالدّمـوعِ صَـفّــاً وَحُسْنـاً ،
كقـطْـرِ الطّـلّ في صـافي الرّخامِ
أُتيحَ لها مَجوسِيّ رَقيقٌ،
نَـقـيّ الجيـبِ منْ غشِّ وذام
فسيّـلَـها بـرِفْـقٍ من بِـزالٍ ،
فسَـالَ إليته عَيّـوقُ الـظّــلام
وأبْـرَزَها وقد بطـرَتْ ، وصارَتْ
شَمُـولاً مِنْ مُماطَلَـة ِ الجِمـامِ
ترَى فيها الْحَبابَ، وقد تَدَلّى ،
كمثْلِ الدُّرّ سُلّ منَ النّظامِ
تَـرى إلْـرِيقَنـا كـالطّـيْـرِ ســامٍ ،
لَهُ فَرْخانِ مِنْ دُرٍّ وسامِ
إذا ما زَقّ فَرْخاً مِنْ سُلافٍ،
تَـراهُ دامِـيـاً مِـنْ بَيـنِ دامِ
فخـذْها ، إنْ أرَدْتَ لَـذيذَ عَيشٍ ،
ولا تَـعـدِلْ خَليليَ بـالمـدامِ
وإنْ قالوا: حرامٌ؟ قلْ: حرامٌ!
ولكِنّ اللّذاذَة َ في الْحَرامِ
وخذْ من كفّ جارية ٍ، وصيفٍ،
رخيمٍ الدلّ ، ملثوغِ الكَـلامِ
لها شَكـلُ الإناثِ وبَينَ بَينِ ،
ترَى فيها تَكاريهَ الغُلامِ
فأحياناً تُقَطّبُ حاجبيْها،
وأحْيـانـاً تَثَـنّى كـالحُسـامِ
وغنّ ، إذ طَرِبْتَ ، فديكَ نَفسي
وقـد كحَلَتكَ أسْبـابُ المَنـامِ :
«ألا حَيِّ الْحَبيبَة َ بالسّلامِ،
وإنْ هيَ لم تُطِقْ رجْعَ الكَلامِ»!