زيارة إلى شعورٍ هرم - جاسم محمد الصحيح

مِنْ أقاصي جسدي عُدْتُ ..
فهل تذكرني روحُ الزُقَاقْ ؟!
هل بِوِسْعِ الرَملِ أنْ يشتمَّ أقدامي
لِتصحو خطوتي الأولى على قارعة العُمْرِ
وتنسلَّ من الغيبِ (ثلاثونـي) العِتَاقْ
عَلّني أعرفُ أين اختبأَتْ أعواميَ البِكْرُ
غداةَ انفرطَتْ مسبحةُ العُمْرِ
وضاعت خَرَزَاتُ الاتِّسَاقْ
وأرى كيفَ استقالَتْ حارتي من خُضرة الروحِ
وكيف انسلَخَ العنوانُ من لحمي
غداةَ انتَصَرَ الدهرُ على قلبي انتصاراً لا يُطَاقْ
هاهُنا العُمْرُ تقاويمُ غبارٍ
لم يزلْ يكتبُها الدهرُ لِكَيْ تسحقَها ممحاتُهُ/الريحُ ..
فما يبقىَ من الأيَّامِ غير الانْسِحَاقْ
عدتُ في سَاقَيْنِ مملوءَيْنِ مَسْخاً ..
فَمِنَ الإسممنتِ ساقٌ
ومن الإسفلتِ سَاقْ
أقتفي خيطاً من الأصداءِ
يمتدُّ إلى صرختيَ الأُولىَ نحيلاً كالفِرَاقْ
سَبَقَتْني حسرتي
فانفرجَ الدربُ .. وأطلقتُ حنيني في السِبَاقْ
وتلقَّتْني البيوتاتُ
توابيتَ مُسَجَّاةً على الأرضِ
وفي أسوارِها تنبضُ أرواحُ الوصايا ..
كيف لي أن أتهجَّى الحجرَ المسكونَ بالمعنى
وأن أقرأَ في الطينِ أحاديثَ الرِّفَاقْ !!
آهِ ما أبعدَ ما سافرتُ في الفولاذِ !!
سافرتُ إلى آخِرِ وديانِ المُحَاقْ
كيف لي أنْ أبلغَ الأعتابَ !!
لا بوَّابةٌ تضحكُ للشمسِ
ولم يبقَ من الخُطْوَاتِ ما يُذكي شهاباً لِغريب الدارِ ..
أينَ انطوَتِ الشُهْبُ / الخطُى .. أينَ ؟!
وأينَ العَتَبَاتُ الزُهْرُ .. بَلْ أينَ السماواتُ الطِبَاقْ ؟!
أينَ طفلٌ رقرقَ الأحلامَ في سطحِ المساءاتِ
وأغرَى شهوةَ الميزابِ للبوحِ ..
فَسَالَ البوحُ في الشارعِ أحلاماً دِهَاقْ
الطيوفُ انبعثَتْ
وانفتَقَ الظِلُّ
وقامَتْ أُمَّةٌ من ذكرياتٍ بين عينيَّ
إلى الحشرِ تُسَاقْ
اهدئي يا كائناتي
ليس في المحشرِ إلاَّ جَنَّةٌ
أسَّسَها الشوقُ هنا واتَّسَعَتْ في الاشتياقْ
----------------------
أينَ منِّي وجهيَ الأَوَّلُ ؟
هل ما زال مدفوناً هُنا تحت رمادِ الموتِ
منذ انطفأَت ناصيتي فيهِ ...
وأصبحتُ أنا من قبضةِ الأعرافِ محلولَ الوِثَاقْ
كيف ماتَتْ دارُ جدِّي ؟!
لا أرى في (الحيِّ) إلا جُثَّةَ الدارِ
عليها يربضُ الوحش الحضاريُّ
ويمتصُّ من الجُثَّةِ حُلْمَ الانعتاقْ
دارُنا ـ قارورةً ـ كانتْ ..
وأُمِّي عطرُها المأسورُ بالنشوةِ حَدَّ الانطلاقْ
عندما تخرج أمِّي
تنحبُ الأحجارُ فـي السورِ ...
يئنُّ الخشبُ المجروحُ في الأبوابِ ..
تشكو الغُرَفُ الثكلى من اليُتْمِ ..
وأشواقي طوابيرُ انتظارٍ في الرواقْ
عندما تخرج أمِّي
تخرج الدارُ من الدارِ ..
ويبقى الاشتياقْ
----------------------
دارُنا حَلْقَةُ عُشَّاقٍ
تلاقوا داخل الصمتِ غداةَ البوحُ ضاقْ
فالشبابيكُ ترعرعنَ على عشق الزقاقْ
وانتشى كلُّ جدارٍ في عناقٍ بجدارٍ
منذ أنْ شدَّهما الطيَّانُ بالحُبِّ
فما خانا مواثيقَ الهوى في غارةِ السيلِ
ولا زنداهما فرَّطَتا في لَذَّةِ الوصلِ
غداةَ انْصَبَّتِ الريحُ بِطوفانِ الفراقْ
آهِ .. كيف انخسفَ السقفُ على ذاك العناقْ ؟!!
أيُّ طوفانٍ أتى
فاندلعَتْ ألسنةُ الماءِ على أحلامِنَا الأُولى
ولم تُبْقِ من الأحلامِ باقْ
رُبَّما الجدرانُ أضحَتْ في شِقَاقْ
رُبَّما الأحلامُ لم تبلغْ سماءَ البيتِ
كيْ تسندَها بالازرقاقْ
فَتَهَاوى السقفُ مخذولاً
وراحت دارُنا تكشفُ عن سيقانِها
للشاعرِ النائمِ ما بين ضلوعي ... فَاسْتَفَاقْ
----------------------
عدتُ من حيث تضيق الأرضُ بالأرضِ
فما أكثرَ ما تنـزلقُ الأشياءُ في الوهمِ تمامَ الانزلاقْ
المرايا كلُّ ما أحملُ من أمتعةٍ ..
ما أثقلَ المرآةَ في الغربة !!
ما أجملَها تختزنُ الأطيافَ عذاراءَ المَذَاقْ !!
التسابيحُ التي تحرسُنا من ماردِ الليلِ ..
المساءاتُ التي تمشي الهُوَيْنَا ..
والحكاياتُ التي تكسر أوجاع المحبين ..
إلى آخر ذكرى نافَسَتْ ضُرَّتَهَا في خاطري ، حتَّى الطَلاَقْ
أيُّها الواطئُ صدرَ الدارِ
طاووساً عَتِيَّاً اسْمُهُ الموتُ :
تبرَّأْ من وصايا الزَّهْوِ في ذيلكَ .. وارفقْ ..
إنَّ كَوْناً تحت أقدامِكَ يَشكو الاختناقْ
آهِ يا دارُ ..
أرى هيكلكِ الخاوي مليئاً بالحكاياتِ
أرى صمتكِ صمتاً فوضويَّاً يُزعج الموتى
أرى عالمكِ المهجورَ مُكْتَضَّاً بأسرارٍ دِقَاقْ
هاهنا أنفاسُ أمِّي
تتدفَّـى بالنسيج العنكبوتـيِّ
وأطيافُ أبي تحضنُ أعشاشَ الخفافيشِ ..
عجيبٌ مَلَكُوتُ الموتِ إذْ يزرعُ في سُكَّانِهِ هذا الوِفَاقْ
هاهُنا مائدةٌ من قَصَصِ الليلِ
هنا أزهارُ بستانِ العناقاتِ
هنا ملحمةٌ من ضِحْكيَ المنثورِ
حيث الدارُ كانتْ علَّمَتْني
أنَّ ترتيبَ ابتساماتي نِفَاقْ
كلُّ أشيائيَ هذي
تمتطي الدهرَ وتحدوهُ إلى النسيانِ ..
ماذا يُوقِفُ الدهرَ إذنْ ؟
ماذا سوى التذكارِ يفتضُّ الدهاليزَ ويجتاحُ الممَّرات العِتَاقْ
أَذهلتني حكمةُ النملِ
وقد أبدعَ من قَشَّتِهِ مملكةً كُبرى
على جُثمانِ أحلامي الرِقَاقْ
واحتفالُ البومِ بالأوهامِ
في سردابِها المسجورِ بالعتمةِ حَدَّ الاحتراقْ
وانتهتْ أفراحيَ الأُولى
سُلالاتِ خرابٍ
تتناسلنَ انكساراً في زوايا العُمْرِ ..
ما أكثرَ ما تُوجِعُني الأفراحُ في العُمْرِ المُعَاقْ
عدتُ كيْ أبحثَ عمَّا ماتَ منِّي
والأساطير التي خلَّفْتُها تذرعُ أطوالَ الرِوَاقْ
عدتُ يا (دارُ) ..
لَعَلِّي ألتقي فيكِ شعوراً هَرِماً
قد فَرَّ من قلبي وناداني : اللِّحَاقْ