ما وراءَ حنجرة المغنِّي - جاسم محمد الصحيح

عـلـى السُّـهـولِ الـتـي تـمـتـدُّ فـــي لـغـتـي
مــا زال يـنـمـو مـعــي عـنـقـودُ موهـبـتـي
«بضـعٌ وعشـرونَ» شَـدَّتْ رحلَهـا.. وأنـا
أنا..الـمـعـتَّـق فــــي إبــريـــقِ تـجـربـتــي!
والأحـجـيــاتُ بـحـجــمِ الـعُــمْــرِ تُـوثِـقُـنــي
فــي سَـكْـرَةِ البـحـثِ عــن مفـتـاحِ أجـوبـةِ
أنـا المعتَّـقُ فــي الإبـريـقِ.. مــا انْفَـرَطَـتْ
روحـــي مـــن الـسُّـكْـرِ إلاَّ قــيــدَ أُحْـجِـيَــةِ
مــــا للـقـصـائـدِ مــــن حَـــــدٍّ لأخـتـمَـهــا..
يـفــنَــى خـيــالــي ولا تـفــنَــى مُـخَـيَّـلَـتـي!
في صِحَّةِ «الشِّعرِ».. ألـوي مـن زجاجتِـهِ
جيـداً وأسكـبُ «تشبيـهـي» و«توريـتـي»
لِـــي خـمــرةٌ شابَهَـتْـنـي فـــي غوايـتِـهـا..
مـن «تــاءِ تأنيثِـهـا» استوحـيـتُ قافيـتـي!
***
كـأنَّـنــي - والـحُـمَـيَّـا حــيــن تُـرْعِـشُـنــي-
عَلِـقْـتُ مـــا بـيــن أســـلاكٍ «مُكَـهْـرَبَـةِ»!
طـيــرُ الـنـبـوءةِ لـــم يـبــرحْ يُـشَـبِّـهُ لــــي
فـــي الـحُـلْــمِ أَنِّــــيَ مـخـلــوقٌ بـأجـنـحـةِ!
وحـــدي ولـكــنْ أُشَـظِّــي وحـدتــي بَـشَــراً
فيَـنْـطَـوي فــــي فــــؤادي كــــونُ أفــئــدةِ!
صَلَّـيـتُ للخـلـقِ.. كــلِّ الخـلـقِ.. واتَّسَـعَـتْ
لِـمـاَ وراء خـطــوطِ الـطــولِ، صومـعـتـي!
همسُ النسيمِ.. خريرُ النَّهْـرِ.. زغـردةُ ال-
عـصـفـورِ.. هـــذي تـرانـيـمـي وأدعـيَـتــي
فــي قـلـبـيَ الـكُــرَةُ الأرضـيَّــةُ انْمَـسَـحَـتْ
مـــن الـخـطـوطِ فقـلـبـي وحــــدةُ الــكُــرَةِ!
مــن أجــلِ كــلِّ الحُـفـاَةِ العـابـريـنَ عـلــى
دربِ الـحــيــاةِ سـأمــشــي دون أحــذيـــةِ!
حُــبًّــا لــهــذا الــثــرى.. حُــبًّــا يُـمـانـعُـنـي
أنْ أهــتـــدي بـنــجــومٍ غــيـــرِ مُـوحِــلَــةِ!
والــحــبُّ يـشـهــدُ أنِّـــــي فـــــي وثـائــقِــهِ
أســجِّــلُ الأرضَ مــــن أفــــرادِ عـائـلـتـي
***
«بضعٌ وعشرونَ».. فَصَّلتُ الجنـاسَ لهـا
تفصيلَ «زِيٍّ» على أعطـافِ «عارضـةِ»
أهــديـــتُ لـلــرَّمــزِ طــربــوشــاً يُـظَـلِّــلُــهُ
ومــــا بـخـلــتُ عــلــى الـمـعـنَـى بِـقُـبَّـعَــةِ
ذاتــــي إذا مــــا نَـــــأَتْ مــقـــدارَ قـافــيــةٍ
عـنِّــي، دَنَـــوْتُ إلـيـهــا قــــابَ نَـرْجِـسَــةِ!
يـأبــىَ لِـــيَ الـفَــنُّ أنْ آوي إلــــى حَــجَــرٍ
مــــا لــــم أُغــــاَدِرْهُ مـسـكـونــاً بِـلُــؤْلُــؤَةِ
لا أدَّعــي الـوحـيَ عُـلْـوِيَّ الـمــدَى، فـأنــا
لـــم أنـتـسـبْ لِـسـمـاءٍ غــيــر جمـجـمـتـي
نقـصٌ مـن الريـشِ فـي روحــي يَـهِـمُّ بـهـا
نــحـــو الــتـــرابِ إذا هَــمَّـــتْ بِـرَفْــرَفَــةِ!
مــا أتـعـسَ الغـصـنَ حـظـاًّ حـيـن تفـطـمُـهُ
فـــأسٌ ويـكـبـرُ فـــي أحـضــانِ مقـلـمـتـي!
«بضـعٌ وعشـرونَ» سهمـاً كنـتُ أطلقُـهـا
صــوبَ الحقيـقـةِ مـــن أقـــواسِ أسئـلـتـي
والــشــكُّ فــــردٌ وحــيــدٌ لا نـصـيــرَ لـــــهُ
يــلـــوي بـمـيـمـنــةٍ مِـــنِّـــي، ومــيــســرةِ
لــيــتَ الـيـقـيـنَ الــــذي طــالَــتْ أظــافــرُهُ
يَحُـكُّ مـا لـم أَطَـلْ مــن ظَـهْـرِ وَسْوَسَـتـي!
إنْ صحـتُ: آهِ! تَشَظَّـى الأُفْــقُ عــن حُـفَـرٍ
غــيــبــيَّــةٍ، وتــوابـــيـــتٍ وأضــــرحـــــةِ!
فــي خـارجـي ألــفُ حــربٍ قـادَهــا بَـشَــرٌ
وداخــلــي ألــــفُ حـــــربٍ بــيـــن آلــهـــةِ
لــــو كــــان لـلـسَّـهــمِ أنْ يــرتـــدَّ ثـانــيــةً
حَطَّـمـتُ قـوسـي ومــا كَــرَّرتُ معـركـتـي!
عـدالــةُ الـريــحِ فــــي تــوزيــعِ ثـروتِـهــا
تُـغــري بِـــأَنْ أَتَـمَـنَّـى الـريــحَ مـقـبـرتـي!
***
حسـبـي مــن الـغـيـبِ دربٌ كـنــتُ أقـطـعُـهُ
مــــن المـشـيـئـةِ حــتَّــى كــــفِّ قـابِـلَـتــي
عَــبَــرْتُ بـالـنَّـهْــرِ مـخــفــوراً فـأَوْقَـفَـنــي
فـــي الضِّفَـتَـيـنِ عـلــى مَـهْــدٍ وشــاهِــدَةِ!
بئـسَ «العبـورُ»! نَزَفْـتُ «الأربعيـنَ» لـهُ
ومــــا أَزاَلُ أُوَفِّــــي أَجْــــرَ «تـذكــرتــي»
لا حــبــلَ أعــقـــدُ آمـــــالَ الـنــجــاةِ بـــــهِ
إذا الـهُـوِيَّـةُ أَضْـحَــتْ «بـئــرَ» هـاويـتــي
أمــتـــدُّ مــثـــل جــهـــاتِ الأرضِ بـاحــثــةً
عـــن ذاتِــهــا دون أنْ آوي إلــــى جــهــةِ
«بضعٌ وعشرونَ».. أمشـي فـي مناكبِهـا
مـشـيَ العـواصـفِ إذْ فَـوْْضـاَيَ خـارطـتـي
فـمــا ائتـلـقـتُ ولــونــي لــــونُ سـنـبـلـةٍ !
ومـــا اهـتـديـتُ وطـولــي طـــولُ مـئـذنــةِ!
مُـزَمَّـلٌ فــي مــزاجِ الـريــحِ حـيــث دمـــي
لا يـحـتــفــي بــجِــيـــادٍ غـــيــــرِ نـــافــــرةِ
هـــذي تـضـاريـسُ روحـــي لـــوْ تَسَلَّـقَـهـا
وَعْـــــــلٌ لـــعــــاَدَ بِـــأقــــدامٍ مُــجَـــرَّحَـــةِ
لا يـعـرفُ الـنَّـاسُ مـنِّــي غـيــرَ حـنـجـرةٍ..
يــا ليتَـهُـمْ عَـرِفـوا مــا خـلــف حنـجـرتـي!
أنــــا الـجـمــالُ الــــذي عـيـنــاهُ تُـنـكِــرُهُ..
هــل بـعــد ذلـــك للـنُّـكـرانِ مـــن سَـعَــةِ؟!
حــقــلٌ ولــكــنْ تَـخَــلَّــتْ عــنـــهُ غـابــتُــهُ
فـجَــفَّ مــــن لَـمَـعــاَنِ الـقـمــحِ والــــذُّرَةِ
سكـنـتُ إسـمـي فـكـان الإســمُ لِــي وَطَـنـاً
ولــــم أغــــادرْهُ مـنـفـيـاًّ إلـــــى صِـفَــتــي
***
لا تنسبونـي إلـى «البئـرِ» التـي اشْتَرَكَـتْ
في ظُلْمِ «يوسفَ».. لا تستغفلوا «أَبَتِي»!
لا تبحثـوا وَسْـطَ «رحلـي» عـن مآربِكُـمْ..
فـمــا هـنــاكَ «صـــواعٌ» بـيــن أمـتـعـتـي
بلى..«شماغـي» دمـاغـي لـسـتُ أنـزعُـهُ
من فرط مـا اتَّحَـدَتْ رأسـي و«أشمغتـي»
بـلـى..تـرابـي ثـيــابــي حــيـــث يـنـسـجُـهـا
لِـــــيَ الـمــكــانُ ويـرفــوهــا بـعـاطـفـتــي
يـا «أخـوةَ» القـلـبِ.. لــم أبــرحْ أُعَـوِّذُكُـمْ
فــي الـحــبِّ أنْ تخـلـطـوا مِـلْـحـاً بِـسُـكَّـرَةِ
إنِّــي صـفـحـتُ.. فـــلا تستنـهـضـوا سَـبَـبـاً
يـسـعَــى إلــــيَّ عــلــى أقـــــدامِ مــعـــذرةِ
مـا كـان «يوسـفُ» أحـلـىَ فــي وسامـتِـهِ
مـــن الـوسـامـةِ فـــي صَـفْــحٍ ومـغـفــرةِ!