ياأخيأين رَيْعُ ذاك الِّلقاءِ - ابن الرومي

ياأخيأين رَيْعُ ذاك الِّلقاءِ
أين ما كان بيننا من صفاءِ

أين مصداقُ شاهدٍ كان يحكي
أنك المخلص الصحيح الإخاء

شاهدٌما رأيت فعلك إلا
غيرما شاهدٍ له بالذكاء

كشفت منك حاجتي هنواتٍ
غُطِّيت برهة ً بحسن اللقاءِ

تركتني ولم أكن سَيّءَ الظن
ن أسيءُ الظنون بالأصدقاء

قلت لما بدت لعينيَ شُنْعاً
رُبَّ شوهاءَ في حشا حسناء

ليتني ماهتكت عنكن ستراً
فثويتُنَّ تحت ذاك الغطاء

قلنلولا انكشافُنا ما تجلَّت
عنك ظلماء شبهة قتماءِ

قلت أعجب بِكُنَّ من كاسفاتٍ
كاشفاتٍ غواشي الظلماء

قد أفدتنَّني مع الخُبْر بالصا
حب أن رُبَّ كاسفٍ مُستضاءِ

قلن أعجب بمهتدٍ يتمنَّى
أنه لم يزل على عمياء

كنت في شُبهَة ٍفزالت بنا عن
كفأوسعتنا من الإزراء

وتمنيت أن تكون على الحي
رة تحت العماية الطَّخياءِ

قلت تالله ليس مثلي مَنْ ودْ
دَ ضلالاًوحيرة ً باهتداءِ

غير أني وددت ستر صديقي
بدلاً باستفادة الأنباءِ

قلنهذا هوى ًفعرج على الحق
ق وخلِّ الهوى لقلبٍ هواء

ليس في الحقِّ أن تودّ لخلٍّ
أنَّهُ الدهر كامن الأدواءِ

بل من الحقِّ أن تنقر عنهن
نَّ وإلاَّ فأنت كالبُعَداء

إن بحث الطبيب عن داء ذي الدَّا
ء لأسُّ الشِّفاءِ قبل الشفاءِ

دُونك الكشفَ والعتابَ فقوِّمٍ
بهما كل خلَّة ٍ عوجاءِ

وإذا ما بدا لك العُرُّ يوماً
فتتبَّع نِقابهُ بالهناءِ

قلتُفي ذاك موتكُنوما المو
تُ بمستعذب لدى الأحياء

قلنما الموت بالكريه إذا كا
ن بحقٍّ فلا تزد في المراءِ

ياأخي هبك لم تهب لي من سع
يك حظاً كسائر البخلاءِ

أفلا كان منك ردٌّ جميلٌ
فيه للنّفس راحة ٌ من عناءِ

أجزاءُ الصَّديق إيطاءهُ العش
وة حتّى يظلّ كالعشواءِ

تاركاً سعيه اتكالاً على سع
يك دون الصِّحاب والشُّفعاءِ

كالَّذي غرَّه السَّرابُ بما خي
يل حتَّى هراق مافي السِّقاءِ

يا أبا القاسمالذي كنت أرجو
ه لدهريقطعتَ متن الرَّجاءِ

بِكرُ حاجاتِ من يعدُّك للشِّ
دّة طوراً وتارة ً للرَّخاءِ

نَمتَ عنها وما لمثلك عذرٌ
عند ذي نُهية ٍ على الإغفاءِ

قسماًلو سألتُ أخرى عواناً
لتنمَّرتَ لي مع الأعداءِ

لاأجازيك من غروركَ إيا
يَ غروراًوُقيت سُوء الجزاءِ

بل أرى صِدْقك الحديثَوماذا
ك لبخلٍ عليك بالإغضاءِ

أنت عينيوليس من حق عَيني
غَضُّ أجفانها على الأقذاءِ

ما بأمثالِ ما أتيت من الأم
ر يَحُلُّ الفتى ذُرا العلياءِ

لا ولا يكسب المحامد في النا
سولا يشتري جميلَ الثناءِ

ليس من حل بالمحل الذي أن
ت به من سماحة أو وفاءِ

بَذَلَ الوعدَ للأخلاَّءِ سَمحاً
وأبى بعد ذاك بذلَ الغَناءِ

فغدا كالخلافِ يورِقُ للعي
ن ويأبى الإثمار كل الإباءِ

ليس يرضى الصديقُ منك ببشرٍ
تحت مخبوره دَفينُ جَفاءِ

ياأخي يا أخا الدَّماثة والرقْ
قَة والظَّرف والحجا والدهاءِ

أتُرى الضَّربة التي هي غيبٌ
خُلْفَ خمسين ضربة ً في وحاءِ

ثاقب الرأينافذ الفكر فيها
غير ذي فترة ولا إبطاءِ

وتلاقيك شيعة ٌ فيظلو
ن على ظهر آلة حدباءِ

تهزمُ الجمع أوحدياًوتلوي
بالصَّناديد أيما إلواءِ

وتحط الرِّخاخ بعد الفرازي
ن فتزداد شدة استعلاءِ

ربَّما هالني وحيّر عقلي
أخذك اللاَّعبين بالبأساءِ

ورضاهم هناك بالنِّصف والرُّبْ
عِوأدنى رضاكَ في الإرباءِ

واحتراسُ الدهاة منكوإعصا
فُكَ بالأقوياءِ والضعفاءِ

عن تدابيرك الِّلطاف الَّلواتي
هُنَّ أخفى من مُستسرِّ الهباءِ

بل من السِّر في ضمير مُحبٍ
أدَّبته عقوبة الإفشاءِ

فإخالُ الذي تديرُ على القو
م حُروباً دوائرَ الأرحاءِ

وأظُنُّ افتراسك القرن فالقر
ن منايا وشيكة الإرادءِ

وأرى أن رقعة الأدم الأح
مرأرض عللتها بدماءِ

غلط الناس لست تلعب بالشط
رنج لكن بأنفس اللعباءِ

أنت جديهاوغيرك من يل
عبإن الرجال غير النساءِ

لك مكر يدب في القومأخفى
من دبيب الغذاء في الأعضاءِ

أودبيب الملال في مستهامي
ن إلى غاية من البغضاءِ

أو مَسيرِ القضاء في ظلم الغي
بِ إلى من يريده بالتَّواءِ

أو سُرى الشيب تحت ليل شبابٍ
مُسْتحيرٍفي لِمَّة سحماءِ

دبَّ فيها لهاومنها إليها
فاكتَسَتْ لون رثَّة شَمْطاءِ

تقتُلُ الشَّاه حيث شئت من الرُّق
عة طَبَّا بالقِتْلة النّكراءِ

غير ما ناظرٍ بعينك في الدَّس
تِولا مُقبل على الرُّسلاءِ

بل تراهاوأنتَ مستدبرُ الظَّه
ر بقلبٍ مُصوَّر من ذكاءِ

ما رأينا سواك قِرناً يُولِّي
وهو يُرْدي فوارس الْهيجاءِ

رُبَّ قَوْم رأَوْكَ رِيعُوا فقالوا
هل تكونُ العيونُ في الأقفاءِ

والفُؤادُ الذكيُّ للمطرق المُعْ
رض عينٌ يرَى بهامن وراء

تقرأ الدَّستَ ظاهراً فتُؤدي
ه جميعاً كأحْفظ القُرّاء

وتُلَقَّى الصوابَ فيما سوى ذا
ك إذا جاء جائرُ الآراء

فترى أن بُلغة ً معها الرَّا
حة ُ خيرٌ من ثَروة ٍ وشقاء

رؤية ٌ لاخلاج فيهاولولا
ذاك لم تأبَ صحبة َ ابنِ بُغاء

وهو موسى وصاحبُ السيف والجي
ش ورُكْنُ الخِلافة الغلباء

بعتَه واشتريتَ عيشاً هنيئاً
رابح البيعكيِّساً في الشِّراء

وقديماً رغبْتَ عن كل مَصْحو
بٍ من المُتْرفينَ والأمراء

ورَفَضْتَ التِّجارة َ الجمة الرِّب
حِوما في مِراسها من جَداء

وهَذَى العاذلونَ من جهة الِّرب
ح فخلَّيتهم وطولَ الهَذاء

أعرضت عنهم عزائمك الصم
مبأذن سميعة صماء

حين لم تكترث لقول أخي غش
شيرى أنه من النصحاء

وإذا صح رأي ذي الرَّأي لم تن
ظر بعيني مشورة عوراء

لم تبع طيب عيشة بفضول
دونها خبث عيشة كدراء

تعب النفس والمهانة والذلْ
لَة ُ والخوف واطِّراحُ الحياء

بل أطعت النهى ففزت بحظ
قصرت عنه فطنة الأغبياء

راحة النفس والصيانة والعف
فة والأمن في حياء رواء

عالما بالذي أخذت وأعطي
ت حكيما في الأخذ والإعطاء

جهبذ العقل لا يفوتك شيء
مثله فات أعين البصراء

غير مستنزل عن الوضح الأط
لس بالزائف الصبيح الرواء

قائلا للمشير بالكدحمهلا
ما اجتهاد اللبيب بعد اكتفاء

قرب الحرص مركبا لشقي
إنما الحرص مركب الأشقياء

مرحبا بالكفاف يأتي هنيئاً
وعلى المتعبات ذيل العفاء

ضلة لامرىء يشمر في الجم
ع لعيش مشمر للفناء

دائبا يكنز القناطير للوا
رثوالعمر دائبا في انقضاء

حبذا كثرة القناطير لوكا
نت لرب الكنوز كنز بقاء

يغتدي يرحم الأسير أسيرا
جاهلا أنه من الأسراء

لا إلى الله يذهب الحائر البا
ئر جهلا ولا إلى السراء

يحسب الحظ كله في يديه
وهو منه على مدى الجوزاء

ليس في آجل النعيم له حظ
ظوما ذاق عاجل النعماء

ذلك الخائب الشقي وإن كا
ن يرى من السُّعداء

حسب ذي إربة ورأي جلي
نظرت عينه بلا غلواء

صحة الدين والجوارح والعر
ضوإحراز مسكة الحوباء

تلك خير لعارف الخير مما
يجمع الناس من فضول الثراء

ولها من ذوي الأصالة عشا
ق وليسوا بتابعي الأهواء

ليس للمكثر المنغص عيش
إنما عيش عائش بالهناء

يا أبا القاسم الذي ليس يخفى
عنه مكنون خطة عوصاء

أترى كل ما ذكرت جليا
وسواه من غامض الأنحاء

ثم يخفى عليك أني صديق
ربما عز مثله بالغلاء

لالعمر الإله لكن تعاشي
ت بصيرا في ليلة قمراء

بل تعاميت غير أعمى عن الحق
ق نهارا في ضحوة غراء

ظالما لي مع الزمان الذي ابتز
ز حقوق الكرام للؤماء

ثقلت حاجتي عليك فأضحت
وهي عبْء من فادح الأعباء

ولها محمل خفيف ولكن
كان حظي لديك دون اللفاء

كانَ مقدارُ حُرمَتِي بك في نَفْ
سك شيئا من تَافَهِ الأشياء

فتوانيتوالتواني وطيء الظ
ظهر لكنه ذميم الوطاء

كنت ممن يرى التشيع لكن
ملت في حاجتي إلى الإرجاء

ولعمريلقد سعيت ولكنْ
نك عذرت بعد طول التواء

فتنزه عن الرياءفتعذي
رك في السعي شعبة من رياء

ليس يجدي عليك في طلب الحا
جات إلا ذو نية ومضاء

ظلمت حاجتي فلاذت بحقوي
ك فأسلمتها بكف القضاء

وقضاء الإله أحوط للنا
س من الأمهات والآباء

غير أن اليقين أضحى مريضا
مرضا باطنا شديد الخفاء

ما وجدت امرأ يرى أنه يو
قن إلا وفيه شوب امتراء

لو يصح اليقين ما رغب الرا
غب إلا إلى مليك السماء

وعسير بلوغ هاتيك جدا
تلك عليا مراتب الأنبياء

كنت مستوحشا فأظهرت بخسا
زادني وحشة من الخلطاء

وعزيز علي عضيك باللو
م ولكن أصبت صدري بداء

أنت أدويت صدر خلِّك فاعذر
ه على النفث إنه كالدواء

لاتلومن لأئماً وضع اللو
ماء في كنه موضع اللوماء

إن تكن نفحة أصابتك من عذ
لي فعما قدحت في الأحشاء

يا أبا بكر المشار إليه
بانقطاع القرين في الأدباء

قد جعلناك حاكماً فاقض بالحق
قِ وما زلتَ حاكم الظرفاءِ

تأخذ الحقَّ للمُحقِّوتنهى
عن ركوب العَداء أهلَ العداءِ

ليس يؤتى الخصمانِ من جَنَفٍ في
ك ولا من جهالة ٍ وغباءِ

هل ترى ما أتى أخوكَ أبو القا
سم في حاجتي بعينِ ارتضاءِ

لي حقوقٌ عليه أصبح يلْوي
ها فَطالبهُ ليبوشك الأداءِ

لست أعتدُّ لي عليه يداً بي
ضاءَ غيرَ المودة البيضاءِ

تلك أو أنني أخٌ لو دعاه
لمُهمٍ أجاب أُولى الدعاءِ

يتقاضى صديقهُ مثل ما يب
ذلُ من ذات نفسه بالسواءِ

وأناديك عائذاًياأبا القا
سم أفديك ياعزيزَ الفداء

قد قضينا لبانة ً من عتاب
وجميلٌ تعاتُبُ الأكفاء

ومعَ العَتْب والعتابِ فإني
حاضرُ الصفحواسعُ الإعفاء

ولك الوُدُّ كالذي كان من خِل
لكوالصدرُ غيرُ ذي الشّحناء

ولك العذر مثل قافيتي في
ك اتساعاً فإنها كالفضاء

وتأمّلْ فإنها ألِفُ المدْ
دِ لها مَدة ٌ بغيرِ انتهاء

والذي أطلق اللسان فعاتب
تُك عدِّيكَ أوَّلَ الفهماء

لم أخفْ منك غلطة ً حين عاتب
تُك تدعو العتابَ باسم الهجاء

وأنا المرءُ لا أسومُ عتابي
صاحباً غيرَ صَفوة ِ الأصفياءِ

ذا الحجا منهُمُوذا الحِلمِ والعل
مِوجهلٌ ملامة ُ الجُهَلاءِ

إن من لام جاهلاً لطبيبٌ
يتعاطى علاج داءٍ عياء

لستُ ممّن يظلُّ يربع باللوْ
مِ على منزلٍ خلاءٍ قواءِ