أما لهذا الليل من آخر - عبدالرحمن العشماوي

لا تقلقي يا حسرة الشاعر
ولا تديري مقلة الحائرِ

ففي جراحي ما سيلقي إلى
كفيك عزم الصامد الصابر

أنا إليك اليوم يا حسرتي
أحوج من أعمى إلى ناظرِ

حوج من قيس إلى نظرة
في وجه ليلى الباسم الساحر

أحوج من سيف إلى ساعد
أحوج من درب إلى عابر

ناديتُ والأحلام مذعورة
وحسرتي تنحت في خاطري

يا ثغر ليلي لا تحدث بما
في قلبها من شوقها الغامرِ

فقيسها ما زال في غفلة
عن همها الوارد والصادرِ

وقيسها ما زال مسترفداً
كف الغريب المعتدي الكافرِ

يا ثغر ليلى روعة الشعر في
أيامنا كالجوهر النادرِ

في أمتي ألف فم ناطق
فحشاء فمن يصغي إلى الشاعرِ

في أمتي ألف يد لم تزل
ترخي زمام المال للعاهرِ

في أمتي قوم على لهوهم
ناموا، فمن يصمد للغادرِ

لكنني مازلت أرجو إذا
ناديت أن يسعدني طائري

فهذه القدس وقد خلتها
مقطوعة الأول والآخر

تحركت فيها بطولاتها
وأفرجت عن سيفها الباتِرِ

ثارت على أعدائكم فاسألوا
أعداءكم عن شعبها الثائرِ

طبيعة الأحجار في كفها
تحولت ناراً على الفاجرِ

ليس لها إلا الحصى عُدّة
تمحو بها أسطورة القاهرِ

نداؤها مزق أصداءه
حزناً على إطراقة الناصرِ

خمسون عاماً في دروب الأسى
من غير ما خُفِّ ولا حافرِ

والليل مزهو بظلمائه
وأمتي في غيها السادرِ

تنفض ثوب الصمت مذعورة
وتشتكي من حظها العاثِرِ

كأنها ما أسرجت للهدى
خيل المدى في عصرها الغابرِ

هذي فلسطين التي أصبحت
تكنس أرض الذل للكافر

لا تتركوها تحتسي بؤسها
وحيدة في قبضة "السامري"

تشكو ظلام الليل كم عربدت
أوهامه في قلبها الطاهرِ

ليل تلاشي الطول في طوله
وصار مثل الأسد الكاسرِ

ليل من الأحزان، ظلماؤه
باتت على بؤابة الساهرِ

واستسلمت أنجمه لم تُطقْ
رداً لموج الظلمة الهادرِ

ومددت ظلماؤه رجلها
تسخر بالغائب والحاضرِ

ليل الخلافات الذي لم يزل
يرفع رأس الظالم الجائرِ

ولمت يزل يغتال أحلامنا
ويخلط الباطن بالظاهرِ

وأمتي في ظله أصبحت
مغلوبة مقطوعة الدابرِ

كم صخرة في ثغرها لم تزل
تبحث عن مستبسل صابرِ

كم عثرة في دربها لم تزل
تبحث بين القوم عن "جابرِ"

****
****

يا أمة مازالت أشدو لها
شَدِّوّ محب مُدْنَفِ الخاطرِ

لا تقفي يا أمتي وأركبي
ظهر حصان جامح ثائرِ

ومزقي صمت الليالي التي
يسخر فيها النجم بالناظر

لا تسكني أرض الخضوع التي
ترفع فيها هامة الفاجرِ

****
****

سألتُ أحلامي سؤالاً له
طعم اللظى في شفة الشاعرِ

من أين لي اليوم بشهم له
عزم "بلال" ورضى "ياسرِ"

يا أمة الإسلام قولي لنا
"أما لهذا الليل من آخر"

****
****