مذكرات طفل ثلاثيني ..! - عبدالله السفياني

أتيت ..
لأشعل برد المسافة بالذكريات
عبرت محيط الضجيج ..!
وأروقة المعمعة ..!
أتيت كأني ( خيال الضرير )
كأني حنين اليتامى إلى الأمهات ..!
أتيت لأوقظَ جرحي من مضجعه ..!
وقد كان قبل قليل معي
في دروب الغواية ..
فمال قليلا ليرتاح من دربنا المستحيل
فلا ارتاحَ .. حتى يُريحَ ..!
ولا ارتاحَ قلبي معَه ..!
لقد جئت دوّامةً مجّها البحرُ
ملحا أجاحاً على كل باب ..
فأصبحت أنشودة الصحو
مد الجنون ..
وسطوَ البحارِ على اليابسة !
خرجت من الصخر أبحث عن
قطرة الماء في أرضنا الظامئة
فهيا ارحلي في فمي قُبْلةً..
وفي دمي رحلةً من سحابْ ..
وفي خافقي عافية ..!!
أحبك لا زلت أنشدها للفراغ ..
فما عاد في الحي من يَسْمُرُون ..!
ومجنون ليلى .. وليلاه في الحي
لا يَسْألون ولا يُسْألون ..!
لقد قال لي عمدة الحي
أعنى ( سعد ) ..
لا تعكر علينا الهواء
فلا حُبّ في حينّا ..!
.. ولا يحزنون ..!
وكان هنا دكةٌ ..
جاءها المد..
مد البحار ..
ومد الفضاء المخضرم باللون بالصوت ..
بالصورة " الميتة "..!
فلا قلب .. لا وجهَ حتى نوزع للعابرين ابتسامة
ففي كل بيت زوايا ..
وفي كل زاوية دكةٌ من رخام ..!
تحدث أن الزمان استدارَ..
وجارْ..!
وأصبج جار القلوب الجدار...!
حديثي ألمم أطرافه .. من
رتوش النقوش ..
جنونِ الشباب ! ..
حديثِ الشجيراتِ للضوء
للطفل ينشد في المدرسة ..!
ألملمه من بقايا الحياة هنا ..
من الطين ..
من تمتمات الأزقة ..
من فتنة الأبلسة ..!
ومن جمعنا المغربين ..
إذا فرقتنا نوايا المطر ..!
ومن رعشة الخبزِ
في كف خبازهِ
من الشارع الداخلي
إلى الشارع الخارجي
ومن قرع أقدامهم في القلوب ..!
ومن همهمات العجائز قبل الغروب
يخوفننا الغولَ والنمنمية ..!
من غزلهن لصوف الحياة
ومن نقضهن لغَزْلِ الفراق ..
وهنّ يغنين أسطورة كن يعشقنها في الشباب ..!
ألملمه من حديث الستائر
عبر النوافذ للقادمين ..
ومن وشوشات الصغار عن الخدعة القادمة ..
وكيف سيقتسمون اللبانَ ..
ويستقبلون " اسكريم النجاح " ..!؟
الزوايا هنا مفعمة ..
الصمت فيها له همهمة ..!
ولي في خبايا الزوايا بقايا
محدثكم ..
كان أستاذها العبقريّ..
وكان الشقيّ التقيّ
الطائش اللوذعيّ ..!
فماذا أحدثُ ... ؟
قد عصر الدهر زيتونه ..!
ومالت على شُرُفَات السنين الظلال..!
واهتزت الأرض من تحت أقدامنا مثقلة
ولم يبق في جمل النحو فعل ولا فاعلٌ ..
وصارت تراكيبنا مهملة ..!
لم يعد في حدود المكان اتساع ..
وضاق الزمان على الأمكنة ..
وضجت بنا الريح
ذات اليمين .. وذات الجنوب ..
وخانت قوانينها البوصلة ..!
وغار الزمان من الأمكنة ..!
أرى في الوجوهِ الوجوم ..
وأبصر ما لا يُرى ..
وما لا يُرى لو يُرى ...
كارثة ..!
سئمت َ ..؟!
تقول وقد غاب إحساسها في سياطِ السؤال ..!
وكنت على قاب حرفين أستمطر الأجوبة ..!
وأستصرخ الضوء والصبح والحق
أسأل باسم الحيارى
وباسم الحصار
وباسم الطفولة
باسم الجهات التي أقفلت ..
فلا حد .. لا مد ..
لا صوت .. لا موت ..
كل المحيط جدار..
أسأل...!!
أين الصغارُ
وأين حديث الرؤى للقرى
للحواري القديمة
للعابرين الحفاة
وأين الكراسي وأين المراسي
وأين " نشيد الرُّعاة " ..!؟
..... .. و... و...
وأين الحياة التي قد عشقتُ فضيّعْتُها ..!
ضيّعْتُها ..؟
أم ...! ضيّعتني الحياة ..!!؟