في غير شأنك بكرتي وأصيلي - البحتري

في غَيرِ شأْنكَ بُكْرَتِي وأصِيلي،
وَسوَى سَبيلكَ في السّلُوّ سَبيلي

بخُلَتْ جُفُونُكَ أن تَكونَ مُساعدي،
وَعَلِمتَ ما كَلَفي، فكُنتَ عَذولي

جَارَ الهَوَى، يَوْمَ استَخَفّ صَبَابتي
لِخِلِيّ ما تَحْتَ الضّلُوعِ، مَلُولِ

سَفَرَتْ كَمَا سَفَرَ الرّبيعُ الطّلْقُ عَنْ
وَرْدٍ، يُرَقْرِقُهُ الضّحَى، مَصْقُولِ

وَتَبَسّمَتْ عَن لُؤلُؤٍ، في رَصْفِهِ
بَرَدٌ، يَرُدُّ حُشَاشَةَ المَتْبُولِ

خَلَفَتْكُمُ الأنْوَاءُ في أوْطَانكمْ،
فَسَقَتْ صَوَادِي أرْبُعٍ وَطُلُولِ

وإذا السّحابُ تَرَجّحَتْ هَضَبَاتُهُ،
فعَلَى مَحَلٍّ بالعَقِيقِ مُحيلِ

حَتّى تُبَلّ مَنَازِلٌ، لَوْ أهْلُهَا
كُثُبٌ لَرُحْتُ على جَوًى مَبْلوُلِ

بَلْ ما أوَدُّ بأنّني أفْرَقْتُ منْ
وَجْدي، ولا أنّي بَرَدْتُ غَليلي

وأعُدُّ بُرْئي منْ هَوَاكَ رَزَِّيةً،
والبُرْءُ أكْبَرُ حَاجَةِ المَخبُولِ

ما للمَكَارِمِ لا تُرِيدُ سوَى أبي
يَعْقُوبَ إسْحَقَ بنِ إسْمَاعِيلِ

وإلى أبي سَهْلِ بنِ نَيْبُخْتََ انْتَهَى
مَا كَانَ من غُرَرٍ لَهَا وَحُجُولِ

نَسَباً كَمَا اطّرَدَتْ كُعُوبُ مُثَقَّفٍ
لَدْنٍ، يَزِيدُكَ بَسطَةً في الطّوُلِ

يُفْضِي إلى بِيبَ بنِ جُوذَرْزَ الذي
شَهَرَ الشّجَاعَةَ، بَعد طول خُمولِ

أعْقَابُ أمْلاكٍ، لَهُمْ عَاداتُهَا
منْ كُلّ نَيْلٍ مثلِ مَدّ النِّيلِ

ألْوَارِثُونَ منَ السّرِيرِ سُرَاتَهُ،
عَنْ كُلّ رَبّ تَحيّةٍ مأمُولِ

والضّارِبُونَ بسَهْمَةٍ مَعْرُوفَةٍ،
في التّاجِ ذي الشُّرُفَاتِ والإكلِيلِ

إنّ العَوَاصِمَ قَدْ عُصِمْنَ بأبْيَضٍ
ماضٍ كحَدِِّ الأبيَضِ المَصْقُولِ

أعطَى الضّعيفَ من القَوِيّ، وَرَدّ من
نَفسِ الوَحيدِ، وَمِنّةِ المَخْذُولِ

عَزّ الذّليلُ، وَقَدْ رَآكَ تَشُدُّ منْ
وَطْءٍ عَلَى عُنُقٍ العَزِيزِ، ثَقِيلِ

وَرَحَضْتَ قِنَّسْرِينَ، حتّى أُنْقيَتْ
جَنَبَاتُهَا منْ ذَلكَ البِرْطِيلِ

رَعَتِ الرّعيّةُ مَرْتَعاً بكَ حَابساً،
وَثَنَتْ بظلٍّ، في ذُرَاكَ، ظَلِيلِ

أعطَيْتَهَا حُكْمَ الصّبيّ، وَزِدتَها
في الرِّفْدِ، إذْ زَادَتْكَ في التأمِيلِ

وَكَعَمتَ شِدقَ الآكلِ الذَّرِبِ الشَّبَا
حَتّى حَمَيْتَ جُزَارَةَ المأكُولِ

أحْكَمْتَ ما دَبّرْتَ بالتَّبْعِيدِ، والـ
ـتَّقْرِيبِ، والتّصعِيبِ، والتّسهِيلِ

لَوْلا التّبَايُنُ في الطّبَائِعِ لمْ يَقُمْ
بُنْيَانُ هَذا العَالَمِ المَجْهُولِ

قَوْلٌ يُتَرْجِمُهُ الفَعَالُ، وإنّما
يُتَفَهّمُ التّنزِيلُ بالتّأوِيلِ

مَاذا نَقُولُ، وَقَدْ جَمَعتَ شَتَاتَنا،
وأتَيْتَنا بالعَدْلِ والتّعْدِيلِ