إن طيفا يزورني في المنام - البحتري

إنّ طَيْفاً يزُورُني في المَنامِ،
لَخَلِيٌّ منْ لَوْعَتي، وَغَرَامي

غَادَةٌ بِتُّ أحْمِلُ اللَّوْمَ فِيهَا،
وَعَنَاءُ المُحِبّ طُولُ المَلامِ

نَظَرَتْ خِلْسَةً إليّ، فأعْدَى
بَدَني طَرْفُ عَيْنهِا بالسّقامِ

أَنَّثَتْ ثُمّ ذُكّرَتْ فَلَها دلُّ
فَتَاةٍ رَوْدٍ، وَقَدُّ غُلامِ

وَلِحْسْنِ الحَلالِ فَضْلٌ، إذا مَا
شابَهُ في العُيُونِ ظَرْفُ الحَرَامِ

قَدْ سَقَتْني، بكَأسِها وَبِفِيها،
مَا يُرَوّي منْ غُلّةِ المُسْتَهامِ

في اعْتِدالٍ مِنَ الزّمانِ يُبارِيـ
ـهِ فَتَحْكِيهِ باعتِدالِ القَوَامِ

إنّمَا العَيْشُ أن تكون اللّيالي
مُفْضِلاتٍ، طُولاً، على الأيّامِ

قَدْ صَفَا جانِبُ الهوَاءِ، وَلَذّتْ
رِقّةُ المَاءِ في مِزَاجِ المُدَامِ

وَاستَتَمّ الصَّبِيح ُ في خيرِ وَقْتٍ،
فَهْوَ مُغْنى أُنْسٍ، وَدارُ مَقَامِ

نَاظِرٌ وِجْهَةَ المَلِيحِ فَلَوْ يَنْـ
ـطِقُ حَيّاهُ مُعْلِناً بِالسّلامِ

أُلْبِسَا بَهْجَةً، وَقَابَلَ ذا ذاكَ
فَمِنْ ضَاحِكٍ وَمِنْ بَسّامِ

كالمُحِبّينَ، لَوْ أطاقا الْتِقَاءً،
أفْرَطَا في العِنَاقِ والإلْتِزَامِ

تُنْفِذُ الرّيحُ جَرْيَهَا بَينَ قُطْرَيْـ
ـهِ، فتَكْبو مِنْ وِنْيَةٍ وَسَآمِ

مُسْتَمِدٌّ بجَدْوَلٍ مِنْ عُبابِ الْـ
ـماءِ كالأبْيَضِ الصّقِيلِ الحُسامِ

فإذا ما تَوَسّطَ البِرْكَةَ الخضْـ
ـراءَ ألْقَتْ عَلَيْهِ صِبْغَ الرّخامِ

فَتَرَاهُ كَأنّهُ مَاءُ بَحْرٍ،
يَخْدَعُ العَيْنَ، وَهْوَ ماءُ غَمامِ

وَالدّوَالِيبُ، إذْ يَدُرْنَ، ولا نا
ضِحَ يُسْقَى بِهِنّ غَيْرُ النّعَامِ

بِدَعٌ أُنْشِئَتْ لأوْلى عِبادِ الله
بالرّكْنِ، والصّفا، والمَقَامِ

إنْ خَيرَ القُصُورِ أصْبَحَ مَوْهُوباً
بِكُرْهِ العِدَى لخيْرِ الأنَامِ

جَاوَرَ الجَعْفَرِيَّ، وَانْحَازَ شِبْدَا
زُ إلَيْهِ، كالرّاغِبِ المُعْتامِ

حِلَلٌ مِنْ مَنَازِلِ المُلْكِ كالأنْـ
ـجُمِ، يَلْمَعْنَ في سَوادِ الظّلامِ

مُفحَماتٌ تُعْيي الصّفاتِ فما تُدْ
رَكُ إلاّ بالظّنّ والإِيهامِ

فَكَأنّا نُحِسُّهَا في الأمَاني،
أوْ نَرَاهَا في طارِقِ الأحْلامِ

غُرَفٌ مِنْ بِناءِ دِينٍ وَدُنْيَا،
يُوجِبُ الله فِيهِ أجْرَ الإمامِ

شَوّقَتْنَا إلى الجِنَانِ فَزدْنَا
في اجْتِنابِ الذّنوبِ وَالآثَامِ

وَبِهَا تَشْرَبُ الأوَائِلُ مُلْكاً،
وَتُباهي مُكاثِري الإسْلامِ

بَارَكَ الله لِلْخَلِيفَةِ في المَجْـ
ـدِ المُعَلّى، وَالمَأثُرَاتِ الكِرامِ

وَأرَاهُ آمَالَهُ في وُلاةِ الْـ
ـعَهْدِ أهْلِ الوَفَاءِ وَالإنْعامِ

لا يَزَالُوا في غِبْطَةٍ وَسُرُورٍ،
وَبَقَاءٍ، مِن مُلْكِهِ، وَدَوَامِ