دعا عبرتي تجري على الجور والقصد - البحتري

دَعا عَبرَتي تجرِي على الجَوْرِ والقَصْدِ،
أظُنُّ نَسيماً قارَفَ الهَجرَ من بَعدِي

خَلا ناظِرِي من طَيْفِهِ، بَعْدَ شَخصِهِ،
فَيا عَجَباً للدّهْرِ فَقْداً عَلى فَقْدِ

خَليليّ! هَلْ مِنْ نَظْرَةٍ تُوصِلانها
إلى وَجَنَاتٍ يَنْتَسِبْنَ إلى الوَرْدِ

وقدٍّ يكادُ القلبُ ينقدُّ دُونَهُ
اذا اهتز في قُرْبٍ مِنَ العَين أو بُعدٍ

بنفسي حبيبٌ نقّلُوهُ عن اسمِهِ
فباتَ غريباً في رَجَاءٍ وفي سَعْدِ

فيا حائلاً عن ذلك الاسمِ لاتحُلْ
وإنْ جَهِدَ الاعداءُ عن ذلكَ العهد

كَفَى حَزَناً أنّا عَلى الوَصْلِ نَلْتَقِي
فُوَاقاً، فَتثْنِينَا العُيُونُ إلى الصّدّ

ولَوْ تُمكِنُ الشّكوَى لخَبّرَكَ البُكَا
حَقيقَةَ ما عندي، وإن جَلّ ما عندي

هَوًى، لا جَميلٌ في بُثَيْنَةَ نَالَهُ
بمِثلٍ، ولا عَمْرُو بنُ عَجلانَ في هندِ

غُصِبْتُكَ مَمزوجاً بنَفسي، وَلاَ أرَى
لَهُمْ زَاجِراً يَنهَى، وَلاَ حاكماً يُعدي

فَيا أسَفا، لَوْ قَابَلَ الأسَفُ الجَوَى،
وَلَهْفَا لَوَ انّ اللّهفَ في ظالمٍ يُجدِي

أبا الفَضْلِ! في تِسعٍ وَتِسعينَ نَعجَةً
غِنًى لكَ عَنْ ظَبيٍ، بساحَتِنا، فرْدِ

أتأخُذُهُ مِنّي، وَقَدْ أخَذَ الجَوَى
مآخِذَهُ مِمّا أُسِرُّ، وَما أُبْدِي

وتخطو إليه صبوتي وصبابتي
ولم يخطه بثي ولم يعده وجدي

وَقُلتَ اسْلُ عَنهُ، والجَوَانِحُ حَوْلَهُ،
وَكَيْفَ سُلُوُّ ابنِ المُفَرّغِ عَنْ بَرْدِ