مُكَاشَفَاتٌ أَخِيْرَةٌ في مَهَبِّ اللَّيل - عبدالله الفيفي

أَطْفِئْ سُؤالَكَ ؛ موجُ الليلِ مُعْـتَكِـرُ
والفجرُ مرتَهَنٌ ، والوقتُ مُحْتَكَـرُ!

‏ والريحُ تشكو،يطير الشَّجْوُ أَغْرِبَـةً
تطوي الفضاءَ،وسالَ النجمُ والقَمَرُ!‏

أَطْفِئْ سُؤالَكَ؛ ما في الشكِّ من أُفُقٍ
إلى المسيرِ،ولا في الظَّنِّ مُخْتَـبَرُ!

‏ هذا المَواتُ تنامَى في محاجـرنـا
حتى تناهَـى بنا في عُمْرِهِ العُمُرُ!‏

يَسْـتَفُّ في هبواتِ الصَّحْوِ قهوتَنا
كما يُسـَفُّ بمتنِ القَـفْرَةِ الأثَـرُ!‏

يَدُقُّ فينا عمـودَ البيـتِ، من يدنا
يبعثرُ الشمسَ، والآماسَ يَأتـَسِرُ! ‏

‏...
...‏

أكلَّما اعشوشبَ العُودُ الحريرُ شَذًى
في الأغنياتِ تداعتْ عندكَ الذِّكَرُ؟!‏

فاستعبرتْكَ غضًا،يهمي الحروفَ،على
جرحِ الغزالِ ودربٍ خـاذلٍ تَـزِرُ!‏

على النخيلِ، تبكّـِي كَفَّ غارسِها ،
تغرَّبَتْ حِقَـبًا، واجتـثَّها الصَّـبِرُ!‏

ما شَلَّ كفَّكَ في أقصَى مغارسِـها
قد شَلَّ قلبكَ.. والدنيا هوًى غِـيَرُ!‏

‏...
...‏

ماذا تريـدُ، ولونُ الصِّدْقِ منخطفٌ
في ناظريكَ، ولونُ الكِذْبِ مزدهِرُ؟!‏

ماذا تريـدُ، مزاجُ الحِـبْرِ أسـئلةٌ
غَرْثَـى، وأجوبةٌ كالقَحْطِ ينتشِرُ؟!‏

ماذا تريـدُ، مزاجُ الحِـبْرِ لا لغـةٌ
من الحياةِ، ولا دِيْمُ الحَـيَا مطَرُ؟!‏

يا مَنْ إذا أقرأتْكَ الريـحُ يوسُفَها
أطبقْتَ فوقَ كتابِ الصَّدرِ تَدَّكِـرُ!‏

أطبقْتَ فوق شِـفاهِ البئرِ تشربني؛
ماءُ الطَّوَايَا دمي ، يصفو ويَنْكَدِرُ!‏

ماذا تريـدُ، وكـلُّ الصافنات لها،
من نخوةِ الخيلِ، ما يا أنتَ لا تَفِرُ؟!‏

‏...
...‏

أَمِطْ قِناعَـكَ ثمّ احْـلُمْ بما خَبَأَتْ
لكَ العُـذُوقُ من اللذاتِ تَبْـتـَدِرُ!‏

واقرأْ قضاءَكَ يا من كل جارحـةٍ
فيكَ استدارتْ على ليلٍ بها الدُّسُرُ!‏

أنتَ القضاءُكَ ما نامـتْ لهُ مُـثُلٌ،
على التِّراتِ ، ولا عَيَّتْ بهِ البُكَـرُ!‏

كم ذا تُطابعُ فيكَ الجـُزْرُ جَازِرَها؟!
هلاَّ تَطَابَـعُ فيما بينكَ الجـُزُرُ؟‍‍!‏

‏...
...‏

مسراكَ يحملُ في تابوتِـهِ صُـوَراً،
خُضْرَ الهَوَى،عُرُبًا، يا حبّذا الصُّوَرُ!‏

تبكيـكَ في سِـرِّها، حَـيًّا ومَيِّتَةً :
عـارٌ عليكَ دمي والسمعُ والبَصَرُ!‏

روحُ الشهيـدِ تُرَى غيداءَ فاتـنةً
وروحُـكَ السَّمْجُ يبقَى فيكَ ينْتَحِرُ!‏

لا في الحياة يُعَـدُّ، إنْ شَـبَا خَـبَرُ
على الشِّفاهِ،ولا في الموتِ يُعْـتَبَرُ!‏ ‏

أعْجَزْتَ وصْـفَكَ:ماذا أنتَ في سَفَرٍ
تُبْنَى عليكَ لهُ من عَظْمِكَ الجُسُرُ؟!‏

وأنتَ في شِـيَـةِ الثاوينَ منتفـشًا
نَفْشَ الحُبارَى جَنَاحًا هَدَّهُ الذُّعُـرُ!‏

إنْ صال بازٌ على أُمِّ البُغَـاثِ ، نَزَا
فرخُ البُغاثِ على الأفراخِ يَنْـتَسِرُ!‏

أو جارَ رَبُّ الجِوَارِ الغَصْبِ في بَلَدٍ،
سَرَى الهُمَامُ على الجاراتِ يَثْـتَئِرُ!‏

ما هـان يومًا على الدنيا وآهلـِها
كمنْ يهونُ وفيه الأرضُ والبَشَرُ!‏

ولا استراحَ على رَأْدِ الزمانِ ضُحًى
من استراحَ وسارتْ دونهُ السِّـيَرُ!‏

...
...‏

أعربْ لهاتَـكَ أو أعْجِمْ، فقد هرمتْ
كلُّ القناديـلِ، لا زيتٌ ولا شَرَرُ!‏

لا النثرُ يَبْعَثُ في الأجداثِ منتفضًـا
من التراب، ولا ذا الشِّعْرُ والعِبَرُ!‏

عَمِّـدْ لسـانكَ، أو حَرِّرْ، فما لغـةٌ
عادتْ لها شِيَمُ الأعرابِ تَنكسِرُ!‏

لا تلـتفتْ أبداً؛ قِطْعُ السُّرَى حَجَرٌ،
يَحْصبْكَ منهُ لسانٌ، أو يُصِبْ نَظَرُ!‏

حاصرْ حصانَكَ،لا هان الخيولُ! غداً
يأتيكَ دورُكَ ؛ فالجـزّارُ ينتظِـرُ!‏

‏...
...‏

لكنَّ..ها ثورةُ التكوينِ في جسدي،
كم تستفيقُ، وتعلو حولها السُّوَرُ!‏

أليس منكَ لنا حُـلْمٌ يصافِحُـنا،
إلاّ الفَناءُ ، وإلاّ النَّوْحُ والكَـدَرُ؟!‏

كُلُّ الهزائـمِ، في أَوْهَـى بيارقِها،
هزيمةُ الذاتِ ، ما دارتْ بها الفِكَرُ!‏

‏...
...‏

ماذا تقول.. متى؟.. مَلَّ القصيدُ،وما
عاد الطريقُ على التَّسْيارِ يَصْطَبِرُ!‏

هذا خطابُكَ في الصيفِ العتيقِِ، لكَمْ
صافتْ سـنابلُ ليلٍ مِلْؤُها تَتَرُ!‏

يا حاديَ العِيْسِ..هذي عِيْسُنا بَلِيَتْ
من الدُّوَارِ على الأَعْصَـارِ تعتصرُ!‏

يا حاديَ العِيْسِ..إنِّي لا أَرَى!،وأَرَى
في صوتكَ الآلَ، يَطْفُو ثمّ يَنْحَدِرُ!‏

ماذا تقول تُرَى : "إنّ المَدَى زَبـَدٌ،
والدربُ مبتسمٌ، والغيثُ مُنهمِرُ؟!"‏

ماذا أقولُ أَنَـا : " إنّ السيوفَ دمٌ،
والعِرْضُ لؤلؤةٌ،والجيشُ منتصرُ؟!"‏

ماذا أقولُ هنا ، إنْ شئتَ قلتُ إذن :
"لن يأتيَ الدَّوْرُ والجزّارُ يحتضرُ" ..‏

لكنَّ من خلفـهِ أَلْفـًا على كَتِفي ؛
ما دُمْتَ نحنُ فما للجزرِ مزدجَـرُ!‏

‏...
...‏

لَمْـلِمْ شـتاتكَ؛ وجهُ الليلِ معتكِرُ،
والصُّبْحُ مُرْتَهَنٌ،والوقتُ مُحْـتَكَرُ! ‏

واقرأْ قضـاءَكَ يا مَنْ كلُّ جارحـةٍ
فيك استطارتْ على فجرٍ بها الدُّسُرُ!‏

قد هـان جِـدًّا على الدنيا آهلهـا
من هان يومًا وفيه الأرضُ والبَشَرُ!‏

...
...

قُمْ فالتقطْكَ ،فتًى، واضربْ سبيلَكَ. قُمْ! ‏
نَوْءُ السِّنين بنَوْضِ الشَّوْقِ يَسْـتَعِرُ!‏

قُمْ فالتقطْكَ؛ أساطير الرؤى التحمتْ
بنافِـرِ الدَّمِ: تَرْفُوْهُ ويَشْـتَجِـرُ!

قُمْ،أيها الماردُ،استخرجْ خُطاكَ،وقلْ:
"في وجهِ هذا السوادِ البحرُ والسَّفَرُ!"‏ ‎

...
...

يا قُرْطُبيـات ما يأتي ، أَتَيْتُ غَداً،
ولم أَجِدْكِ، سآتيْ والهَوَى بَصَرُ!‏

يا أيها المسجدُ الأقصَى: السلامُ دَنَا؛
فادخلْ، عليكَ سـلامُ الله، يا عُمَرُ!