فيفاء - عبدالله الفيفي

فيفــاءُ، يا فَلـَكَ الخَـيالِ الأبـْعـَدا
وهـَوًى يسـافرُ في جناحَيهِ الـمـَدَى!

"ما أطيبَ الحَجَرَ الفتـَى" مـتلألئاً
بالحُلْمِ صَحواً والخرافَةِ مـَشهَدا‍!

ما ضـمّـني بَـلَدٌ ولا ضَـامَ الـنَّـوَى
إلا وجـَـدْتُ شـَذاكِ فيَّ مُجَــدّدا

قالوا: " هـي الأوطانُ مهمـا تَجْـفُـنا "
وأقولُ، يا وطني:" فديتـُك، سَــيِّدا! "

لا جفـوةٌ يُخـْشـَى تغــوُّلُـها ، ولا
يومـاً حفـلتِ بمَن جَـفَا أو هـَــدَّدا

طـَـوْدٌ بـهِ اللهُ يُثـَبـِّتُ أرضــَــهُ
من أنْ تمـيدَ، وجَلَّ ذاكَ مُـوَطّـــدا!

شمـّاخـةٌ فيهـا الحصونُ ، كأهلها،
من رامَها رامَ السماحـةَ والنــَّدَى

أخلاقُـها الجـبلُ المُنـِيْـفُ ، وهل دنـا
جبلٌ يُعاتبُ من ذُراهُ الفَــدْفَـــدا؟!

شَمَمُ الجـبالِ منَ الرجالِ، ولا يُرَى
شممٌ يُجاورُ في الرجالِ ترَدُّدا!

ولأنتِ أنتِ ، وراحـتـاكِ مواســـمٌ
للحُبِّ تـَذروهُ الحِـياضُ زَبَـرْجـَـدا

ومواسمُ الهمَمِ الشواهق طَـلْعُـها
قـِمَمٌ تراودُ في ثراها الفـَرْقـَدا!

فـي كل "رَيـْدٍ" بـارقٌ متهــلِّــلٌ
ناجــَى على كَـتِفِ التنائـفِ مُرْعِدا!

وكذا الحـرائرُ : فـتـنةً ، وحـصانـةً،
وفطـانةً ، وصِيانــةً ، وتـَصَـيـُّدا!

***
***

فيفــاءُ، يا كـأسَ النَّدامـَى إنْ هُــمُ
ظـمئُـوا لطلِّـكِ أكؤساً أو أكْـبُـدا!

مـدّي جناحـَـــكِ، حَلِّقي رَيَّانـَـةً
بطموحكِ الوَثــَّابِ، حُـجِّي الأَمْجَدا!

فعـقاكِ الشاهـينُ يصطادُ السُّهَـا
وعقابكِ الإنسانُ يصطـادُ العِدَى!

( عبسيّةً ) عَبَسَتْ على قَيْدِ الدُّنـَى،
فتحَرَّرتْ، وأتـَى الزمانُ مُقَيَّـدا!

بـارودُهـا شـِـيْحٌ وكاذيٌّ زَكـَــا
ورصاصُها عِنـَبُ الفـُتُونِ تـَعـَنْـقَدا!

"هُـزَّابـُها" هـَزَمَ العزائمَ مصـْبـِحاً
ورمَى القلوبَ "بُـعَـيْـثِرَانٌ" مُسْـئِدَا!

من حَقْوِها لشِعافها رَشَفَ الضـِّيـاء
(م)ظلالها راحاً وراحَ أو اغـْتدَى

لم يُلْـقَ فيها جَحْـفَلٌ مـِن أنـجــُـمٍ
إلاّ بهِ لُـقـِـيَتْ جَحَـافلُ مـن رَدَى!

جُـنْدُ الجَـمالِ ، كـتائباً بكـتـائـبٍ،
والـلهُ كـمْ وَهـَبَ الجَمَالَ وجـَـنَّدا!

***
***

يـا غادةً حَلُمَتْ فغادرَ حُـلـْمـُهـــا
"نـَيْداً" تـَدانـَى أو"حَبـِيْلاً" مُصْعِـدا

لفَّتْ "مـِحَنَّـتَها"، قوافـيَ من دمي،
عَرَفتْ مَحَـبَّـتَها فسَاقتْني صَدَى!

بجـديلـةٍ من شـَعْرها عَـبِثَ الـدُّجـَى
والشمـسُ أرْختْ بين نهديـها يَـدَا

لتثورَ في ربواتهـا "وَطَــفُ" الضُّــحَى
تـَحـْسُو نـُضاراً صـافياً وزُمُــرُّدا

بُـنِّـيَّةَ النـَّجْوَى ، على أهـدابـِهــا
رفـَّتْ طيورٌ فاسـتحالتْ أنـْجُـــدا

من عـَرْفِ فـَوْدَيْـها تـَنَـفَّسَ شـارقٌ
وعلى خـمـيـلـةِ شـادنـَيهـا وَرَّدا

فـي "شَتْوِها" صيفٌ يَـلُمُّ حَصَـادَهُ
في صيفها "شتوٌ " توالى مُنْشدا

حُلُمي هنالك غـَيمـتـان بصـدرهـا،
تتـلاثمـانِ وترأمـانِ الـمَـوعـِــدا!

وتـُسـبّحُ الأنــواءُ من أعـطافـهـا،
نـَوْءًا "يُحَوِّم" إثـْرَ نـَوْءٍ "مـَغـْرَدَا"!

***
***

يا مَـن يُرى فيهـا الـمُـحـَالُ حقـيقةً
وتدورُ في يـدهـا الهـُنَيْهَـةُ سَـرْمـَدا

أهـْـمـِي عليـكِ مَحبَّةً لا يمــَّحـي
حِـنـَّاؤها، وأصوغُ جِيْدَكِ عـَسْـجَدا

عودي إلـيَّ مـن الأســـاطــيرِ التي
"زَرْكَـشْـتِ" نَسـْجَ خيوطها لي مَعْهَدا

"كـثـَبَغـْـطِرٍ" تهفـو بقايا ريـشـِـهِ
من ذمـّةِ الذِّكْرى خـيـالاً مـن نـَدَى

عودي كما كنتِ، كـمـا لـم تُعْـرفـي
إلاّ وَقـَدُّكِ كالأريــْــجِ تـَــأَوُّدا

واستنبـشـي "فينوسَ" أيـــّامٍ نـأتْ
نـَحَـتَتْ بهـاءَكِ للأنوثـةِ مَحـْتِـدا

ولَكَمْ جَنَى"حُسْنُ الحضارةِ"!، أين من
عَيْنيَّ حُسْنُ حضارةٍ كانتْ غَدَا!

***
***

دارتْ تـُفَـتـِّشُ أُمـُّنـا عـن أُمـِّهـا
فـينـا وتَحْـفِـرُ في بقايـانا سـُدَى!

عِـرْقٌ شـَربتـمْ منه كـأسـاً واحـداً
كـيف اسـتـفاقَ تـَحَدُّداً وتـَعَدُّدا ؟!

أَيـُهَـدُّ بيـتٌ من حـُروفِ قـلوبكـمْ
شيَّـدتُمُ؟ فلبئـس بيتٌ شـُـيـِّـدا!

أَتروح كـلُّ عَسِــيْفَةٍ فـي غِـيلــها
جَـذْلَى وسَبْعُ الغِـيلِ عـنـهُ تـَشَرَّدا‍!

أَتـُـدارُ أحــلامـي وآلامــي ولا
يَبـْكِـي علـيَّ سوايَ فِـيَّ مُسَـهَّـدا

سألتْ عَطَـا.. سألتْ عُبَيْداً.. مالِكاً
أَسَفي عَلَيَّ- بَنِـيَّ- أَيكُمُ الفدَى؟‍!

وتأوبُ وَحـْشَـى، فالحناجِـرُ أعـيـنٌ
عمـيـاءُ تلتـهمُ الفـراغَ الـمُوْصـَدا

***
***

ما ردَّ مَجْـدَكَ – يا زمـانُ - تـذكُّـرٌ
أو جَـدَّ أمـرُكَ - يا مكانُ - تـَوَجُّدا!

لكـنَّ لـيْ بمـَدارِ تـَهْيـامي صـَـبـًا
تـُعـْلي جناحَ الحـُلْم، قمْحيَّ الـنـِّدا

لِغَـدٍ سَـيُثـْمرُ سـَقـْفُهُ من فِضـَّة الـ.
آمـاسِ صُبْحاً يافعـًا خـَضِـلَ الـرِّدَا

بُـني الجـِبــالُ من الحـجارةِ ، إنـَّما
جبلي بأحـجارِ الرِّجـالِ تَـمـَــرَّدا!

(جـمّانُ) يَنْبـُتُ فيه من رَحِـمِ الثـَّرَى
والآبـَنـُوسُ سَرِيْـرُهُ ، حَقْـلاً بـَـدَا

يَنْمُو (سَـرِيـاًّ)، فالصـواعقُ صَــنْعـَةٌ
فـي كـَفّـِهِ ، قـَدُّوْمـَهُ والـمِـبْرَدا!

ألَـقٌ هنالكَ شــاهقٌ يـَشـْـتَـفـُّني
فـأدورُ في رئـَةِ الزَّمـانِ تـنـهـُّـدا!

أسـتقرئ الأيــَّامَ في صَـدْري وفــي
صَـبْـري غُـبَـارُ كـتابها ، متَوَحـِّدا

عَطَشي على الترحال يفـْتِكُ بي هنا
وإليكِ يا أمَلي شربـتُ الأَفـؤُدا!

رُدِّي صِـبايَ، صِـباكِ فـيَّ، صَــبابتي،
واستقبلي كاليومِ أمسي الأغيدا

ولتغـْفري بُعْـدي القريـبَ، وتغـفـري
قُربي البـَعـِيدَ ، ومرتقــايَ الأعْـنَدا!

صوتـي على متـنِ الوَنـَى يســري إلى
أُذنَـيْكِ- أُمـِّي- فامنحـيـهِالـمَوْلِدا!

***
***

فيفــاءُ ، يا بـئرَ المعـانـي الـمُفـْرَدا
ومَـعِـيْـنَ شـَوقٍ بالحروفِ تـَوَقَّـدا

لغـةُ الرجـوعِ إليكِ أُنثى، خَـطُّ هــا
(م)تـفـها بخـَطِّ العُـمْرِ فـيَّ مُـغـَرِّدا

ليستْ تنـامُ ، ولا أنــامُ ، وكيف لـي
لـو نامَ جـوّالُ الهـَوَى أنْ أُنـْشِـدا!

أرهـقـتِ بـازَ الشـِّعْرِ في تحليـقــهِ
من حيثُ جـاءكِ كان شِـعْـرُكِ أجودا!

فالـلهُ قد نـَظَمَ الجَمَالَ، قـصــائـداً
أُوْلـَى ، وكُـلُّ الشــِّعْر جاءَ مُقَلـِّدا

أُلْقِـيـْكِ فـي هامِ الأثيرِ قـصــيـدةً
كـحفـيفِ ثوبِ عروسةٍ دافـي الصَّدَى

وأقولُ – تَرْحَلُ بـي طُـيُوبُ حضورها-
يـا أنـتِ ، أسْلمْتُ إلـيكِ الـمِقـْوَدا‍

تَعِـبَ الفـؤادُ إلـيكِ ، يا بلقـيـسَـهُ،
فأتـى يفـتّشُ عنِك عرشَكِ، هـُدْهُـدا

عفواً، أنـا ما عاد صوتي فـي يدي
بُـهِتَ البـيانُ بأحرفي وتـَبَلدا!

كمْ قُـلْـتُ إنـِّـي شاعرٌ ومُصوِّرٌ
حتى انْـتَحلْـتُكِ، عامداً مُـتَعمِّدا

فعرفتُ حَجمَ قصيدتـي بقصـيدتـي
يا رَوْعَةَ الشعْر الذي لن يُـقصـَدا !

***
***

فيفـاء، كـلّ ثـرى العـروبـةِ مُوْحِـلٌ
هـلاّ وهـبتِ ثـراي نجـماً يُهـتدى؟!

إني سـألـتكِ.. تأكـلُ الفوضـى يـدي
وأضـمّ من تعـبي على تعـبي الـيـدا!