الـقـدس في خـطـر - عدنان النحوي

القُدْسُ في خَطرٍ؟! وَيْحي ! ويُفزِعُـني
طولُ الشكـاةِ وطـولُ العَتْبِ والصّخَبُ

فالناسُ بيْنَ مغاني اللّهـو تَصْرَعـهمْ
أهواؤُهـم وأماني العـجْـزِ و الرّغَبُ

أنّى تــلفّـتَّ أنـغـامٌ مُـخَـدٍّرَةً
ونـشـوَةٌ وليـالٍ هَـزّهـا الطّــرَبُ

والقومُ في غفْوَةٍ ! في التيه ! في ظُلَم
يَلقُّهمْ مِـنْ ديـاجيرِ الهـوى حُجُبُ

عواصِـفٌ مِـنْ شتـاتِ الأمـرِ نازلةٌ
فيهمْ وثـائـرةُ الإعصـار تقـتربُ

تمزَّقـوا فِـرَقـاً شـتّى يَـدور بِـهمْ
مرُّ الصّـِراع وهوْلُ الشـرِّ والحَـرَبُ

أَلقـَى العَـدُوُّ فُتَاتـاً فَانْبَـرَوْا فِـرقاً
تَنَـافَسـُوهَا فأَلهَـاهُـمْ هَـوىً كَذِبُ

مـَاليْ أَلـومُ عَـدوّي كُـلّما نَزَلـتْ
بِيَ الهَزَائِمُ أو حَـلّـتْ بِنـا الـنُّـوَبُ

نحنُ الملومـون ! عَـهـْدُ اللهِ نَحْملهُ
وقد تَـخَلَّـفَ منا العَـزْمُ و السـببُ

* * *

القُـدْسُ في خَطَرٍ؟! الآن ؟! واعجبـاً
أيْنَ السّنُونَ التي مَـرّت بها الكُرَبُ ؟!

أَين المواعـظُ دوّت في مسـامِعنـا؟
أين النَّـذيـر و أين الآيُ و الكُتُـبُ؟!

أَيْـنَ الـقَـوارع هـزّتْ كُلَّ ذي صَممٍ
ولمْ يُهَزَّ لنـا عـزْمٌ ولا قُضُـبُ ؟!

وخُطّـةُ القـوِم تَـمضي بَيْنَنَا زَمناً
تَطولُ فيـهِ دَواعي الـمكْرِ و الرّيَبُ

ونَحـنُ نمـضي على أحْـلامِنا وَهَنـاً
تُنـازُلاً في دُروبِ التّيـهِ نَـضْطَـربُ

مسلسـلٌ ! كـمْ نزلْنـا فيـه مُنْحَدَراً
يَهْـوي بنا! هان فيه العزْم والطّلَبُ

دوَّتْ شِـعـَاراتُنـا ! بُحَّتْ حَناجِرُنا!
جُـنّتْ عـواطِفُـنَا! تَـعْلو وتلْتَهـبُ

ضجّـتْ شِكايتُـنَا في كُـلِّ مُعْتَـرَكٍ
مَعَ الهَـزيمـة تُطْـوَى ثمَّ تَحْتَجـِبُ

لهَـيْـئةٍ مُـزِّقـتْ في ساحِها أمُـمٌ
يا سوءَ ما فَعلوا في الأرض و ارتكبوا

لـقـد ركـنّـا لكيْـدِ الظالمـينَ ولمْ
نَزَلْ عـلى كَيْـدهم نشْـقَى و نَنْقَلـبُ

لم نشْكُ لله ! لم نـلجـأ ْلرحمتـِه
فما استقـام على نهـجِ الهـُدى أرَبُ

أعطاكُـمُ اللهُ مـا يُـرْجـى بـهِ أمَلٌ
وَمَا يُـعَزُّ بـه الإحـسانُ و الـدأبُ

هذي الملايينُ فَـوْقَ الأرض قد نُثِروا
وَوَفْرةٌ من كنوزِ الأرض والـذهـبُ

وموقـعٌ وَسَـطٌ في الأرضِ متّـصـلٌ
يَـضمُّ ذلك حَـبْـلُ الدِّينِ والسـببُ

فبـدَّلـوا بـعـطـاء الله مـا قَـذَفَتْ
بـه أيـادي عـدّوٍ جـودُه عَـطَـبُ

وبَدّلوا العهـدَ ! ويحـي ! لم يعدْ لهمُ
إلا الشِعـارات دوّتْ عنـدهـا العُصَبُ

فأصبحـوا شِـيَـعـاً شتَّـى ممزَّقة
وساحُـها في يد الأعـداء تُـنْـتَهَبُ

* * *

القـدسُ في خَطَرٍ ؟! مـا زال يُذهِلُني
حقّـاً ويُـفـزِعُـني من أمرِنا عَجَبُ

القـدسُ يا أُمّـتي ليْسَـتْ بِمنْعَزَلٍ
عن الديار، ولا الخطْـبُ الذي خَطبُوا

القُـدْسُ يا أمّتي مـوصـولـةٌ بِعُرا
وبـالحبالِ التي يزكو بها النَّـسَبُ

بالبيتِ , بالكعبة الغـرّاء ! عُـروَتُها
شُدَّت بِهـا ، بِغَـنيِّ النّور تـأتَشِبُ

وبالمـدينة حَـبْلٌ غـير منفَـصـمٍ
عَـهْـداً مع الله حّقـاً ليـس ينقَضِبُ

عَهْـداً إلى أُمَّـةِ الإسـلام ما صدقت
أمـانـةَ العهـدِ والحقِّ الـذي يَجـِبُ

* * *

من مكـة وظـلالِ الكعبـةِ انطلقتْ
ركائـبُ الحقِّ يحـدوها الهوىالعَذِبُ

مَسْرى الرسولِ ! وجِبريلُ الأمينُ به
ودفقـةُ النّـور في الآفـاقِ تنسِكبُ

يَطْـوي البُراقُ على أشـواقـه أملاً
إليك يا قُـدْسُ يهـفو قلبُه الوَجِبُ

تطوي الـزّمانَ وتطوي البيَد وْثبَتُه
تـراجَعـَتْ دونـه الساحات ُوالحقَبُ

المصطفى ! وجلال الـوحي يَحْرُسُه
والكونُ مـن حـوله يـرنـو و يرتَقِبُ

أرخى الـبراقُ جَنـاحيه بـساحته
فانـشَـقَّ فـجْـرٌ مـع الأيام مُرْتَقَبُ

هذا النـبيُّ ! وهبَّ الأنبـيـاء لـه
من عالم الغـيب ! تُغضي عنده الهُدُبُ

هنا التقـي عالَم الغيبِ الذي طلَعتْ
رؤاه والمشهَدُ الحقُّ الـذي صَـحِبـوا

فأمَّهـم ! وجنـودُ الحـقّ شـاهِـدةٌ
بـأن تـلك الـرّبى للحـقّ تنتسبُ

أمانـةً في رِقـاب المـسلمين لـهمْ
يوم الحساب أمـور غـير ما احتسبوا

مَضى البُراقُ يَشـقُّ الأُفْـق منـطلقاً
بومضـة للسمـوات العُـلا يَثـبُ

ومن رُبى طيبَةٍ فـوحُ العصور سَرى
مسكـاً غـنيّاً ونـشراً ليس يُجْتلَبُ

* * *

يا قُـدسُ ! يالَهْفـَةَ الأكْبَـاد صادقةً
ولهفَةً عمَّـها الإعصـارُ والغَـضَـبُ

يـا طلعـةَ الشـوق والأقْصى يُرَجّعُها
مع العـصـورِ وحـدٌّ صـارِم ذرِبُ

القدْسُ يا أُمّـَتي فوحُ العصـور بها
صَبّتْ مجـامِـرها الساحاتُ والحِقَبُ

القدس يـا قـومُ تـاريخ تجـودُ بـه
أرضُ الرسالاتِ! ما أزكى الذي تَهَبُ !

أرض الرسالات كم مـدّت ملاحمها
دماً عـلى سـاحِـها بالمسكِ ينسكبُ

القدسُ زَهْـرةُ تـاريـخ مُـعَـطَّرةٌ
جُـذورهـا في بطـون الأرض تحتجبُ

فـإن تقَطّعـت الأحبـال وانفصَمـتْ
تـلك العـرا جَفّـت العيدان والقَصَبُ

وإن تُـرى قُطّعَـتْ تـلك الجُذُورُ فهلْ
تـظـلَّ تَعبـقُ في ساحاتهـا الكُثُـبُ

تقـول : كـلاّ ! فقد خبّأت كلَّ شذى
عنـدي لكـل شهيد كنـتُ أرتَـقـِبُ

خبّأت كـلَّ عطـوري في مجامِـرها
نـديَّـةً لـزحـوفٍ ليـسَ تنْـقَلـبُ

* * *

يـا قومُ ! كـلُّ رَوابينـا عَلى خَـطَرٍ
وقـد تَـكسَّرَتِ الأسيـاف والقُضُـبُ

وسـدَّ كـلَّ سبيـل للجهـاد بهــا
أين السبيـل؟! واين الفتيـة النُجُـبُ

المجرمـون طغاةُ الأرض قـد زحفوا
زحفاً يمـوجُ به جَيـْشٌ لهـمْ لَجِـبُ

* * *

القـدسُ في خطر ؟! ويحـي ! أَيرفَعُه
عنّا القصيد ويشفـي صـدرنا الخُطَبُ

كـم مهرجـان وكـم من ندوةٍ طَلَعَتْ
يـدورُ فيـهـا بيانُ الشـعـر والأدبُ

مـا أجمـل الأدب الفـوّاح تتـطلقه
حُمْـرُ النِّصـالِ وفي الميدانِ يَخْتضِبُ

ولليهـودِ ميـاديـن القـنا فُتِـحـتْ
كـلٌّ بـأُهبَـتـِه في سـاحها يَثِبُ

شادُوا مـن الـعـلم مـا هَابَتْهُم أُمَمَ
بـِه ومـا عـزّ فيه القاطع الـذربُ

عزائم ٌ لم تـزلْ تبـني مصانـِعَها
من السـلاحِ الـذي يُـرْجى به الغَلَبُ

فهذه الصـين تـَسعى في مـودَّتِـهمْ
مهابـةً، وسـواهـا مُقْبِـل حَدِبُ

قومـوا إلى ساحها ياقوم وانتصروا
لله في جولـة يُـجـلَى الـدمُ السَّرِبُ