حـب ووفـاء - عدنان النحوي

حَنَانَيْك ! ما أَحْلى الوَفَـاءَ وعِطْـرَهُ
إِذا نَـشَـرَتْـهُ مُهْجَـةٌ وسَـرَائِـرُ

وما أَجْمَـلَ الأيَّـامَ زهْـوُ عَطائِهـا
حَـنـانٌ وأَشْـوَاقٌ زَهَـتْ وبَـوَادرُ

وما أَحْسَنَ الدُّنْيَا إِذَا الحُـبُّ نَفْحَـة
يَمُـوجُ بـهَـا بِـرٌّ غَنيٌّ وطـاهِـرُ

وما أَعظَمَ الحـبَّ الغَنـيَّ ، ونبْعُـهُ
يَقيـنٌ وإِيمـانٌ جَلَـتْـهُ المـآثِـرُ

هو الحُبُّ نَبـعٌ لا يَغيـضُ فتَـرْتَـوي
نُفُـوسٌ وتُـروَى لهْفَـةٌ ومَشاعِـرُ

هو النّبْعُ : حُبُّ الله ، حُـبُّ رَسُوِلِهِ
إِذَا صَحَّ روَّى الكـونَ والنّبْعُ زَاخِـرُ

فَتُـرْوَى بِهِ خُضْـرُ الرِّياضِ وَوَرْدَةٌ
وتُرْوَى بَـوادٍ بعدهـا وحـواضـرُ

وتمْضِي به حُلْـوْ النَّسَائـم والنَّدى
ويَنْشُـرُه في سَاحِرِ اللّحْـنِ طائِـرُ

حَنَانَيْك ! هذا الحـبُّ بِّـرٌّ ورَحْمَـةٌ
ولُحْمَـةُ أَرْحَـامٍ نَـمَـتْ وأواصِـرُ

وصُحْبَـةُ إِخْوانٍ تَـدُومُ مَعَ التُّقـى
وعَدْلٌ مَعَ الإِنْسَـانِ مَـاضٍ وقـادرُ

وأَجْمَلُـهُ بَـيْـتٌ عُـرَاهُ مَـوَدَّةٌ
لَهَا سَكُـنٌ حـانٍ عَلَيْـهِ ونـاشِـرُ

تُظلِّلُـهُ الأَنْــداءُ رَيّـاً ورَحْـمَـةً
ويَحْفَظُـه خَيـرٌ مِـنَ الله عَـامِـرُ

تَمُـوجُ به الأَنْـوارُ بَيْنَ رِحَـابِـهِ
فَتَنْشَـأُ فِـتـيـانٌ بـه وحَـرائِـرُ

شَبـابٌ أَشِـدّاءٌ كـأَنَّ وجـوهَهـم
من النُّور صُبْحٌ مَشْرِقُ الأُفْقِ ظاهِـرُ

وتُتْلَى بـه الآيَـاتُ نُـوراً وحكمـةً
فتنشـأ فِيـه حـانِيـاتٌ نَـوَاضِـرُ

هي الأُمُّ يَرعَى لَهْفَة الشَّوق بَعْلهـا
وبيتـاً وأَجْيـالاً رَعَتْهـا المَفَاخِـرُ

هو الأَبُ قـوَّامٌ مَعَ الرشْـدِ بَـذلُـهُ
ولِـلأبِ حَـقٌّ بالقِـوامَـةِ ظَـاهِـرُ

ويَجْمَعُهُمْ في البَيْـتِ حُـبٌّ كَـأَنَّـه
رَفِيـقُ النَّـدى ظِلٌّ هِنـيءٌ ووافِـرُ

هو الحُبُّ أَشـواقٌ هُنـاكَ ولَهْفَـةٌ
يمـوجُ بِهَـا قَلْـبٌ وفيٌّ وَخَـاطـرُ

نَقِيٌّ كـأنْفَـاسِ الصَّبـاحِ ، رَفِيفُـه
غَنِيٌّ كَدَفْقِ النُّور ، في القَلْب عَامِـرُ

كَأَنّ فَتِيتَ المِسْـكِ مِنْـه ، أو أنَّـهُ
مـن الْعَبَـقِ الفَـوّاحِ ورْدٌ وزَاهِـرُ

كأَنّ النّسيـم الحُلْـوَ خفْـقُ حَنينـه
ورفُّ النَّـدَى مِنْـهُ غَنـيٌّ وناضِـرُ

هو البيْتُ ! إِن أَعْدَدْتـه كـان أُمَّـةً
لها في مَيَـادينِ الحَيَـاةِ البشـائِـرُ

مَضَينَـا نَشُقُ الدّربَ شَقّاً ونعتَـلي
صُخُـوراً ونمضـي دُونَها ونُغَامِـرُ

يَعَضُّ عليْنا الشوكُ تَدْمي به الخُطـا
وتَدْمـي به أَكبَـادُنُـا والنَّـواظِـرُ

يَقودُ خُطانَـا مِنْ هُدَى الحقِّ دِينُنَـا
وأفـئِـدةٌ تُـجْـلَى بـه وبَصَائِـرُ

وعَهْـدٌ مَـعَ الرَّحْمن أَبْلَـجُ نـورهُ
تَدَفَّـقَ فانْزاحَـتْ بِـذاك الدّيـاجِـرُ

تدورُ بِنَـا الآفَـاقُ حَيْرَى يَروعُهَـا
دمـاءٌ على سَـاحَـاتِهَـا ومَجَـازرُ

فتلك دِيـارُ المُسْلمـين تَـواثبَـتْ
ذئابٌ عَليْهـا أو وُحُوشٌ كَـواسِـرُ

تُمـزِّقُ أرضـاً أَو تُـمـزِّقُ أُمَّـةً
وأَشـلاؤُهـا في الخافقـين تَنَاثَـرُ

تَنـوَّعَـتِ الآلام : أحْـزَانُ أُمَّـةٍ
وأَهـواءُ قـومٍ لـوَّثَتْهـم مَعَايِـرُ

فكم غَادَرَ الدّرْبَ السَّويَّ أَخُو هـوىً
يُطاردُ أشْبَـاحَ الهَـوىَ وهو سَـادِرُ

وظَـلَّ على العَـهْـدِ النَّقيِّ أَجِلَّـةُ
لآلئُ مِنْ صَفْـو الوَفَاءِ جَـواهِـرُ

حنانَيْـك ! هذا الدَّرب نحْملُ دُونَـهُ
رسَالَـةَ تَوحِيـد جَلَتْهـا المقـادِرُ

سنَمْضي بـإذن الله نُـوفي بِعَهْدنـا
مَـعَ الله مَهْمَـا رَوَّعَتْنَـا المخاطِـرُ

يُضـيء لَنَـا نُـورُ اليَقِين سَبيلَنَـا
فَتَنْـزاحُ عَـنَّـا غُمَّـةٌ وعَـوَاثِـرُ

هُـوَ الحُبِّ مِنْ نَبْعِ الصَّفَـاءِ رُوَاؤه
تَمُـوجُ بِه أَحْنـاؤنـا والضمـائِـرُ

فهـذا جَمَـالُ الحُبِّ هـذا جَـلالُـه
رَعَـاهُ وزكَّـاهُ الجِهـادُ المثـابِـرُ

فما العُمْـرُ إلاَّ رَوْضَـةُ وغراسهـا
جِـهـادٌ غَنيُّ بالعـطـاءِ ونـاشـرُ

حَنَانيكِ ! كَمْ جُـرح ضَمَـدتِ وأنَّـةٍ
مَسَحْـتِ وهَـمٍّ في الفـؤادِ يُـدَاورُ

وكَمْ كَان مِنْ رأي رشيـدٍ بَـذَلِتِـه
فأطْلَقَـه ُ قَـلْـبُ ذَكـيُّ وخَـاطِـرُ

وَكمْ لَيْلَـةٍ قـد بِتُّ أَرعى نَجْومهـا
فيطْـرُقُـنـي هَـمّ وهَـمُّ وآخَـرُ

فَشَارَكتنـي همّي حَنانـاً وحـكْمِـةً
وقُمنا بِذكـر الله تُجلى الخَـوَاطِـرُ

ضَرَعْنـا إلى الرَّحمن سِرّاً وجهـرةً
فَقَلـبٌ يُنَاجِي أو لِسَـانٌ يُجِـاهِـرُ

فَزَعْنـا إِلى أَمن الصـلاة وأَمْنُهـا
خُشـوعٌ وهاتِيكَ الدّمُـوع المواطِـرُ

مَضينا نشُقُّ الدَرْبَ والصَّخْرُ دونَنَـا
وأَشـواكُـهُ ، والله حَامٍ ونـاصِـرُ

ومَنْ يتَّـقِ الرَّحمن يَنْجُ ومَنْ يَخُـنْ
مَعَ الله عهْداً لَمْ تَـدَعْـهُ الفـواقِـرُ

ولا يَصْدُقُ الإيـمَـانُ إِلاَّ إِذا جـرى
هـواه لِيَرْعَى الحقَّ والحقَُّ ظاهِـرُ

وَهَذا جَلالُ الحُبِّ يَمضي به الفَتـى
فَتُرْوَى به الدُّنْيا وتُرْوَى الضّمـائِـرُ