شعراء - محمد الحارثي

يجلسون في المقهى
يطلبون شاياً
وقصيدةً كتبها صاحبُ المقهى.
ينامون
في الريشةِ والفراشة
ثُم يتحدثون:
عن الغيمةِ التي في يدِ الله
والماء الذي لم يـأتِ به النادل.
القصر الذي يحلمون به
والكوخ الذي يكتبون بسَـعَـفه
القصائد.
الفتاةِ التي خانت كاتب القصص
القصيرة
وحبَّـةِ الطماطم الفاسدة في قصصهِ
القصيرة.
الحُروب والمجاعات..
غُرف التعذيب
وبيانات الحرّية.
القنبلة النـيوترونية
وذئبِ السهوب.
قصـائد يانيـس ريتسوس..
والحصانِ الصينيّ الذي روى في مخطوطةٍ
حكايةَ الأميرةِ التي قَـلَمت قصائدَ الإمبراطور وأطالت
أظـافِرَه.
عن كلوديا شِيـفَر وعنترة العبسيّ
يُقبلُ أحدهما الآخر
على شـاشة البـريـتش أيرويز.
عن ثَور الغيرنيكا الذي هَاجَ
في متحف الفن الحديث
قبل أن يُضاجع النيويوركيّات
في ظُلمات المـترو.
عن الإخوة كارامازوف
يُبارزون المتـاهة
في الرّبع الخالي.
عن بيت بـيتهوفن
وكفِّ كافكا.
عن المراثي التي أقضَّت
مضجع ريلكـه
والهواء الذي يستهلكونهُ
أكثر من اللازم في قصائدهم.
عن مـولانا أبو الكلام آزادْ
ولبن العصفور الخاثر
في لمـبةِ توماس أديسون.
عن أفخاذ فَراشةِ عين شمس
وغُلامِ خوانْ غويتيسولو.
عن العهد القديم
والموسيقى النائمة
تحت فَجر السُّـلَّم.
عن جائزة نـوبل..
وعن أوكتافيو باز حينما عاتب الخالق
في منحوتةِ حَـنينٍ إلى المكسيك:
كم أنتِ قريبةٌ
من الولايات المتحدة
وكم أنتِ
بعيدةٌ عن الله.
يتحدثون:
عن جائزة نوبل (مرَّةً أخرى)
عن مايكلْ أنجيلو. عبد الحميد بن باديس. آلان غينسبرغ. ماياكوفسكي. صُنع الله إبراهيم. جمال عبد الناصر. أُندريه بريتون. عبد القادر الجنابي. طاغور. كاواباتا. ميلُوش فورمان. محمود درويش. هيرمان هسّـه. هُوتشي مِنه. زاهر الغافري. ماركوبولو. ميكي ماوس. كريستيان د
والبقيّـة.
ثُم
يشربون الفناجين
ويتركون القهوةَ
لعيون النادل
الحلوى
للعابراتِ
مخمل المخيّلة
الأصفارَ للصيرفيّ
والبلاغةَ لعليّ ابن أبي طالب.
.. وعندما لا يجدون ما يفعلونه
يكتبونَ عن أيّ شيء.
مثلاً:
عن جبلٍ
وزهرةِ رمان
في الجبل المُطل
على قصيدة هايكو.
عن ماءٍ مُعشوشب
في الصيغة الكيميائية
لحـدائق الكلور.
عن سهرةٍ
أرختْ سُـدولها في مقبرة.
عن أحلام مُـعتقة
في زجاجة ويسكي.
عن عاطفةِ قُمصانٍ
في مهب الريح.
عن غُراب على مقصلة
وبستان أحجار
في منزل مانويل بانديرا.
عن خِرفان. خُرافات. وظيفة. بطانية. مسمار. بيوت من الأسمنت. زجاجة نبيذ في مفازة. سفينة على مدرج مطار. أيائل في بطون حيتان. نيويورك في نيوأورليانز. مبغى في هانوي. قديس أمام الجيوكندا. زهور في عُيون المـارّة. حليب في النيل. قاموس في بركةٍ آسنة. حَرباء في بان
عن أيِّ شيء،
أيِّ شيء
يكتبون..
يبكون..
يضحكون.
لكنهم
يذهبون إلى حُـتوفهم
بأحذيةٍ عارية
ومياهٍ زرقاء
ثم لا يعودون
إلى الغابةِ بالفوانيس
ولا إلى النهار
بالظلام
ولا إلى الشمعة
بما يصْـبُونَ إليه
لأنَّ البُحيرات
في كفِّ عُمر بن أبي ربيعة
أدنى إلى ينابيعهم
من شاحنةٍ محمّلة
بأقواس قُزح
وسيارات الأجرة
أبطـأُ من تلك التي شاهدوها
في أفلام هيتشكوك.
والأوراقَ التي في حقائبهم
لم تعد صفراء
كما كانت في عُشبِ والت ويتمان
وهذه الأيام الصفراء
صفراء كهذه الأيام.
وهُم كذلك:
لا يجدون خاتمةً
لقصيدةٍ في نبيذ المَطـلع
ولا غُرفةً في بنسيون
السيدة العذراء
ولا سريراً
في أضلاعِ حبيباتهم
ولا قطرة ماء
في دمعة الصنبور.
لذلك
يبتسمُ اللهُ في وجوههم
عندما يذهبون إلى البحر
ويُهدونهُ أسماك أسلافهم
عندما يقطفون بُكاء الغابة
ويُطعمونهُ صِغار الدلافين
عندما يجدون أنفسهم
في منجمٍ للذهب
ويتركونهُ للطبيعة
والدليل.
وعندما..
عندما ينتهون في المتاهة
إلى
لا
شيء
يموتون
ثم يضحكون في أغلفةِ الكتب
يموتون
ويبكون طويلاً في الكلمات.