على حافّة النصيحة - محمد الحارثي

قال - قبل أن يزلزلَ بعصاهُ
خطوات السفح:
عندما تلقي بك فلقةُ الزمان على قمَّةِ هذا الجبل
تحدث عن نفسكَ، تحدث
عن رمانة الشمس وعن وصيفاتها النائمات
تحت آيةِ الليل
عن دشداشتكَ المعصفرة بالصبر
كاللؤلؤةِ المخبأة بين زيت البندقيةِ
وتَـمراتها الخمس في المخزين.
تحدثْ (بعد أن ألقى عصاه) عن القهوة المرّة
في كفّ ابتسامةِ الراعي
تُديرُ ينبوع الهواء في الكهف
عندما تلقي بك فلقةُ الزمان
كرفّةِ العقعق العالي
قُبيل طلقة الضحى.
ثم تحدث (في أرجوزةٍ من تأليفك) عن عدوٍّ
لا يُرى في هدير الطائرات العائدة إلى "بيت الفلج"
بعد أن تمسحَ عن ريشها اللامع
علامةَ الماء الخاشع في دم المحراب.
عن كل شيء، وعن أي شيء :
(عن انتظاركَ الطويل في بَرِّ الحِكمان لقروش القرنفل، عن الجمل النافق كالنصيحة المؤجلة في زنجبار، عن التمرة العذبة في ملح الغرقى عندما تجنحُ أبدانهم على ساحل الأبديَّة) بعدها..
بعدها، فكّر في شُح الذخيرة والماء. ثم استشِرْ
جراد المؤونة في الأمر، وفكّر من جديد: في صعوبةِ
القصائد العصماء على مروّضي الحروب
حتى إذا ما أتاك الماءُ طائعاً
من فم البدويٍّ مُرهُ بالعودة إلى النبع.
مُرهُ ودعهُ
يمضي خفيفاً إلى حتفه.
وإذا ما أعيتك الحيلةُ، إذا ما أعيتك..
صوّب أحلامكَ أمام كهفك الأول.
صوّبها بـبصيرةِ الأعمى..
وانتظر، بعد سقوط الرايتين، إماماً معمّماً
في الظهيرةِ، إماماً يغفو تحت غافةٍ، في طريقك
المزدوج إلى الفردوسين:
الجنةِ والجحيم.
هذه نصيحتي، ولا مزيد.