قهوة الشيخ علي في زنجبار - محمد الحارثي

منذ ربع قرن والشيخ علي يُقرفص أمام طاولةٍ خفيضةٍ قُرب الكنيسةِ التي كانت مزاداً لبيع العبيد بقميصهِ البالي، يُقرفص، وإزارهِ المُخـطّـط وطاقيّـته التي تُخفي
إبريقاً من اللغات.
فنجانٌ لكلّ عابر
عشرون شيلـينجاً لكلّ فنجان
كلٌّ لُـغةٍ بحكاية،
كلُّ حكايةٍ بـلُغة.
عينهُ المضيئةُ على العـابرين
والمطفأةُ في بُـويضاء القلب
يدُهُ منفاخُ النار والإبريق
بُـراقُـهُ الفجرُ
ودعابتهُ لعابر السبيل.
كان طباخاً في سُفن الإنكـليز
وبعد الثورة كاتباً
في ديوان الألمان الشرقيين:
أحبتني حوريّةٌ
منهم واقتادتني من إزاري هذا إلى برلين.
أنجبتُ منها إسماعيل، وعندما طُردتُ من
هناك اصطفاني الجنرال ديـبون لتحضيرِ طعامه.
أسلافي سلاطينُ حضرموت..
ولكن، كما تَـرى، ها أنذا وريثٌ مثاليّ
لسُـنّـةِ الحياة.
(قال وسيجارةُ سـبورتسمان تحترقُ بين شفتيه)
غير مُبـالٍ بشَـعرات الأسى والضحك
تتساقطُ في كل كلمةٍ وفنجان.
أبحرتُ من عَـدن إلى مسقط. وفي صُور
نسيتُ مزمار الحرب التي أضحت طبلةً في أذُني وسمكةً في زادي. وفي البُصرة أبصرتُ عبداً فاشتريتهُ بسبعةِ دنانير، أخبرني أنهُ مَـلكٌ في بلاد الزنج فأعتقتُـهُ قبيلَ جلوسه على عرشهِ من جديد.
أطربتهُ قصائدي المُـقفّـاة
وكافأني بغانيةٍ ومنصبٍ
كسرتهُ أغصانُ قبيلته.
الأغصان التي ما فتئَ يُرمّـمها
بالضحكات والصلوات.
لكنني ملولٌ كسائرِ الملوكِ..
كالرّعيّـةِ من مُلوكها
مَـلولٌ
ولم يكن لي، حينها، مهربٌ
سوى الهرب.