أريجُ مَجدٍ منَ الرَيّانِ حَيّانا - محمد بن عثيمين

أريجُ مَجدٍ منَ الرَيّانِ حَيّانا
أَهدى لَنا نَشرُهُ رَوحاً وَرَيحانا

اِسمٌ حكاهُ مُسَمّاهُ وَطابَقَه
فَكَم شَفى مِن أُوامِ العُدمِ عَشطانا

فِدىً لهُ القَلعَةُ الزَهرا وَساكِنُها
وَالغوطَتانِ وَمَلهى شَعبِ بَوّانا

تَناوَحَت فيهِ أَرواحُ النَدى فَسَرَت
حَتّى لَكادَت تُعيدُ الشيبَ شُبّانا

وَالجودُ وَالبَاسُ ما حَلّا بِمَنزِلَةٍ
إِلّا أَشادا لها في المَجدِ بُنيانا

قَد شَرَّف اللَهُ أَرضا أَنتَ ساكِنُها
وَفاخَرَت بِحَصاها الغَضِّ عِقيانا

بَحرٌ تَبَعَّقَ في أَرجائِهِ كَرماً
يَعلو الرَوابيَ لا نَقعاً وَغُدرانا

وَضَيغَمٌ عَبَثَت بِالأُسدِ عاثيَةً
كَفّاهُ حَتّى لَخِلنا الأُسدَ حُملانا

لَولا أَواصِرُ يَرعاها وَيَحفَظُها
لَكانَ غَيرُ الذي بِالأَمسِ قد كانا

لأَنَّهُ من أُناسٍ مِن سَجِيَّتِهِم
مَحوُ الصَغائِرِ إِجمالاً وَإِحسانا

لكِن لهُم فَتكاتٌ عِندَ غَضبَتِهِم
تَشجي العَدُوَّ وَتُخلي مِنهُ أَوطانا

ياِبنَ الأُلى طَوَّقَ الأَعناقَ فَضلُهُمُ
فَقَرَّطوا لَهمُ بِالمَدحِ آذانا

سَمَوتَ لِلمَجدِ إِذ كُنتَ الخَليقَ بهِ
حَتّى لَأَرغَمتَ آناقاً وَأَذقانا

وَلَيسَ سارٍ إِلى نَيلِ العَلاءِ كَمَن
أَضحى بِنَومِ المُنى وَالعَجزِ وَسنانا

يَحسَبونَ العُلا تُجنى أَزاهِرُها
بِغَيرِ سَيفٍ وَبَذلِ المالِ مَجّانا

وَالناسُ قَد فاوَتَت أَقدارَهُم هِمَمٌ
وَقد أَقامَت عَلى ما قُلتُ بُرهانا

كَما بِهِمَّتِكَ العُليا بَنَيتَ بِها
لِلمَجدِ وَالفَضلِ أَعلاماً وَأَركانا

قالوا هُوَ النَدبُ عَبدُ اللَهِ قُلتُ لَهُم
لَو كانَ عِندَ سِواكُم عُدَّ سُلطانا

فَاَدعوا لهُ بِالبَقا تَبقى سَعادَتُكُم
إِذ كانَ روحاً وَكانَ الغَيرُ جُثمانا

لاتُخرِجوهُ بِكرهٍ عَن سَجِيَّتِهِ
فَاللَيثُ لا يَعرِفُ البُقياءَ غَضبانا

إِنّي أَقولُ وَخيرُ القَولِ أَصدَقُهُ
وَلَيسَ مَن قالَ صِدقاً مِثلَ مَن مانا

لَقَد حَبا اللَهُ أَرضاً كانَ مالِكَها
مِنهُ بِغَيثٍ يَسُحُّ الجودَ هَتّانا

يُسيمُ مُثريهَمُ فيهِ وَمُقتِرَهُم
لَم يَخشَ مِن غَيرِهِ ظُلماً وَعُدوانا

فَيا لها نِعمَةً ما كانَ أَكبَرَها
فَهَل تُصادِفُ مِنّا اليَومَ شُكرانا

إِن لَم تُفَدِّكَ مِنّا أَنفُسٌ كَرُمَت
فَقَد جَحَدناكَ ما أَولَيتَ كُفرانا

أَقَمتَ لِلمَجدِ أَسواقاً مُعَطَّلَةً
تُعَدُّ قَبلَكَ شَيئاً بانَ إِذ كانا

كُنّا سَمِعنا في الغابِرينَ فَمُذ
أَتَيتَ كانَت بُعَيدَ الوَهمِ أَعيانا

لَو صَوَّرَ اللَهُ شَخصاً مِن مَكارِمِهِ
صُوِّرتَ مِن كَرَمِ الأَخلاقِ إِنسانا

لَمّا مَدَحتُكَ قالَ الناسُ كُلُّهُمُ
الآنَ مَدحُكَ بِالمَمدوحِ قَد زانا

فَاللَهُ يُبقيكَ مَحروساً وَمُغتَبِطاً
آلاً وَحالا وَأَولادا وَإِخوانا

ثُمَّ الصَلاةُ عَلى مَن كانَ مَبعَثُهُ
لَنا سَعادَةَ دُنيانا وَأُخرانا

وَآلهِ الغُرِّ وَالأَصحابِ كُلِّهِمُ
ما قَطَّعَ اللَيلَ تَسبيحاً وَقُرآناً