بِرَغمِ المَعالي فارَق الدَستَ صاحِبُه - محمد بن عثيمين

بِرَغمِ المَعالي فارَق الدَستَ صاحِبُه
وَثُلَّت عُروشُ المَجدِ وِانهدَّ جانِبُه

وَأَضحَت بَنو الآمالِ سُهماً وُجوهُها
تُقَلِّبُ طَرفاً خاشِعاً ذلَّ حاجِبُه

تَقولُ إِلى مَن نَطلُبُ العُرفَ بَعدَما
عَلى قاسِمِ المَعروفِ بُنيَت نَصائِبُه

مَضى كافِلُ الأَيتامِ في كُلِّ شَتوَةٍ
وَمَوئِلُ مَن ضاقَت عَليهِ مَذاهِبُه

أَقولُ لِناعيهِ إِلَيَّ مُجاوِباً
بِفيكَ الثَرى لَم تَدرِ مَن أَنتَ نادِبُه

نَعَيتَ امرَأً لِلبِرِّ وَالدينِ سَعيُهُ
وَلِلجودِ وَالمَعروفِ ما هوَ كاسِبُه

فَيا قاسِمُ المَعروفُ لِلبَاسِ وَالنَدى
وَلِلخَصمِ مُستَطّاً عَلى مَن يُطالِبُه

وَيا قاسِمُ المَعروفُ لِلطّارِقِ الذي
مِنَ الزادِ قد أَصبَحنَ صُفراً حقائِبُه

وَيا قاسِمُ المَعروفُ لِلمُلتَجي الذي
تَحاماهُ مِن عِظمِ الجِنايَةِ صاحِبُه

وَلِلمُرهَقِ المَكروبِ يُفرِخُ رَوعُهُ
إِذا أَسلَمَتهُ لِلخُطوبِ أَقارِبُه

وَلِلجَحفَلِ الجَرّارِ يَهدي رَعيلُهُ
إِلى كُلِّ جَبّارٍ أَبِيٍّ يُشاغِبُه

هوَ المانِعُ الخصمَ الأَلَدَّ مَرامَهُ
وَإن رامَ مِنهُ مُعضِلاً فَهوَ سالِبُه

فَقُل لِلجِيادِ المُشمَعِلّاتِ لاحَها
تَجاوُزُ غيطانِ الفَلا وَسَباسِبُه

عَلى قاسِمٍ فَاِبكي طَويلاً فَإنَّهُ
فَتاك إِذا ما اِستَخشَنَ اسَرجَ راكِبُه

إِذا ما رَمى المَرمى البَعيدَ ذَرَعنَهُ
بهِ ناجِياتٌ زامَلَتها شَوازِبُه

جَحافِلُ سَهَّلنَ الرَوابي فَأَصبَحَت
سَباسِبَ مِمّا بَعثَرَتها كَتائِبُه

إِذ نُشِرَت أَعلامُهُنَّ تحدَّبَت
بِأَرجائِها صيدُ المُلوكِ تُراقِبُه

فَما مَشرِقٌ إِلّا لهُ فيهِ وَقعَةٌ
وَلا مَغرِبٌ إِلّا أَرَنَّت نَوادِبُه

أَقولُ لِقَلبي حينَ جَدَّ بهِ الأَسى
وَلِلجَفنِ لمّا قَرَّحتهُ سَواكِبُه

تَعَزَّ بما عَزَّيتَ غَيركَ إِنَّهُ
طَويلُ أَسىً مَن أُودِعَ اللَحدَ غائِبُه

هوَ الدَهرُ يَستَدعي الفَناءَ بَقاؤُهُ
وَتَستَصغِرُ الخَطبَ العَظيمَ مَصائِبُه

لهُ عَثرَةٌ بِالمَرءِ لا يَستَقيلُها
إِذا ما أُنيخَت لِلرَحيلِ رَكائِبِهُ

اَباحَ حِمى كِسرى بنِ ساسانَ صَرفُهُ
فَلم تَستَطِع عَنهُ الدِفاعَ مَرازِبُه

وَكَرَّ عَلى أَبناءِ جَفنَةَ كَرَّةً
سَقاهُم بها كَأساً ذُعافاً مَشارِبُه

وَأَعظَمُ من هذا وَذاكَ مُصيبَةٌ
قَضى النَحبَ فيها المُصطَفى وَأَقارِبه

همُ الأُسوَةُ العُظمى لمَن ذاقَ غُصَّةً
من الدَهرِ أو من أَجرَضَتهُ نَوائِبُه

بَني قاسمِ إن كان أَودَعتُمُ الثَرى
أَباً طَرَّزَت بُردَ المَعالي مَناقِبُه

فَخَلّوا الهُوَينَي وَاِجعَلوا الرَأيَ واحداً
فَيَخشاكُمُ نائي البِلادِ وَصاقِبُه

وَأَلقوا مَقاليدَ الأُمورِ لِماجدٍ
أَخي ثِقَةٍ قد أَحكَمَتهُ تَجارِبُه

بَعيدِ المَدى لا يُدركُ النَبثُ غَورَهُ
أَبيٍّ على الأَعداءِ محضٍ ضَرائِبه

أَبا حمدٍ لولاكَ كان مُصابهُ
على الناس لَيلاً لا تَجلّى غياهِبُه

سَقى اللَهُ قَبراً ضمَّ أَعظمَ قاسمٍ
من العَفوِ شُؤبوبٌ رَواءٌ سَحائِبُه

وَثنِّ إلهي بِالصَلاةِ على الذي
سمَت في مَقاماتِ الكمالِ مَراتِبُه

كَذا الآلِ وَالأَصحابِ ما ناحَ طائِرٌ
بِأَفنانِ دوحٍ تَستَميلُ ذَوائِبُه