لَقَلَّ غَناءُ العَتْبِ والمجرِمُ الدّهرُ - الشريف المرتضى

لَقَلَّ غَناءُ العَتْبِ والمجرِمُ الدّهرُ
و ضلتْ أمانٍ لا يبلغها العمرُ

لعمرُ العلا لا ظلتُ طوعَ شكية ٍ
و إنْ كان قلبي ما يحلُّ به وترُ

لك اللهُ قلباً ما أقلّ اكتراثه
بما يتفادى من تحملهِ الصبرُ !

تمرُّ العطايا لاتكشِّف ناجذي
وتأتي الرَّزايا وهْيَ من جَزَعي صِفْرُ

و سيانُ عندي ثروة ٌ وخصاصة ٌ
قنوعيَ إثرائي وللجزعِ العسرُ

هجرتُ فضول العيشش إلاّ أقلها
و في القوم من يطغى على حلمه الوفرُ

أعفّ وأسبابُ المطامع جمة ٌ
و أعلم والألبابُ يخدعها " المكرُ "

لكلّ زمانٍ خطة ٌ من مذاهبي
و أشقى الورى من " لا يصرفه " الدهرُ

و لم أرَ من يهي عند شدة ٍ
ويأخذُ مِن وافي تجلُّدهِ الضُّرُّ

صَمَتُّ ولم أصمتْ وفي القول فضلة ٌ
وقلتُ فلم يأنسْ بمنطِقَي الهُجرُ

وإنّي قليلُ الرَّيثِ فيما يُريبُني
لذاك ركابي ليس يحظى بها مصرُ

غنيٌّ بنفسي عن عديدي ومعشري
وإنِّيَ مَن يُلقى على غيرِه الفخرُ

و مولى ً كداء القلب أعيا دواؤه
يُجشِّمُني مالا ينوءُ به ظَهرُ

طَوى غنِّيَ الإنصافَ من غيرِ ريبة ٍ
ومابي إلى الإنصاف مِن أحدٍ فقرُ

ألا ليت شعري هل أرى غير صاحبٍ
عليَّ تلظى سره وليَ الجهرُ

فما أمتري إلاّ وفاءً مُصرَّداً
مَذيقاً يُنادي من جوانبهِ الغَدْرُ

إذا ما ترامتْ بي سَجايا مُخاللٍ
فأهونُ ماترمي يدايَ لهُ الهَجْرُ

صديقُكَ من أرضى مَغيبَك قولُهُ
ولم يَعْرُهُ من فخِ عهدِك مايَعْرو

أما وأبى ما بتُّ طوعَ مضيمة ٍ
و قد عرفتني نفسها البيضُ والسمرُ

أبَيْتُ انْقياداً للأنامِ بِحَبْلِهِ
وذاك صَنيعٌ يستجيبُ له الشُّكرُ

يودّ رجالٌ أن أهشّ إليهمُ
و قلّ عن الشحناء ما ينفع البشرُ

وآنسَ بي مَنْ لا يلينُ قيادُه
خلائقُ طالتْ أنْ يُطاوِلَها ذِكرُ

و مما نفى عن شيمتي الكبرَ فيهمُ
يقيني بانّ الكبرَ آفته الكبرُ

عدِمتُ المُنى ما أكدرَ العيشَ عندَها
ولولا المَنى ما استنجدَ السَّفَرَ السَّفْرُ

و من عمرتْ دارُ المنى من همومه
تمادى وربعُ المجد من مثله قفرُ

وما كَلَفي بالعمرِ أهوَى وُفورَه
و عند الفناءِ يستوي النزرُ والدثرُ

و داء الورى حبُّ الحياة وشدّ ما
تفاقَمَ خطبُ الدّاء ماكانَ لا يبرُو

بنفسِيَ مَن لا يقبضُ اللّومَ سمعُه
و لا يجتنى من فرع منطقه عذرُ

جريءٌ إذا ضاق العراك بأهلهِ
مليءٌ إذا أكدى من الأملِ الصدرُ

أحبُّ من الفتيان كلَّ مشيَّعٍ
عصيٍّ فلا نهيٌ عليه ولا أمرُ

يجرُّ أمامَ الرَّكبِ فضلَ قناتهِ
و لا قلبَ إلاّ قد تملكه الذعرُ

ينال الصدى منه ويحمى نطافهم
حِفاظٌ على الضَّرّاءِ مركبُه وعْرُ

ومُستوهلٍ لا يألفُ المجدَ فعلُه
إطاعتُه باعٌ وغايتُه فِتْرُ

يمدّ إلى العلياءِ عيناً كليلة ً
ويبسطُ كفّاً ليس يعرفُها النّصر

متى يشرعِ الخَطِّيُّ يطلبُ نحرَهُ
فكلُّ مكانٍ من جوانبه نحرُ

أقول له والرعبُ يصبغ لونه
و أنفاسه يهفو بجريتها البهرُ

سيعلمُ مَن بالظَّنِّ يُحيي رجاءَهُ
بأنّ " مباراتي " لآماله قبرُ

و لي وطرٌ ينجى الجيادَ ادّ كارهُ
و لم يشقَ مني في تذكرهِ فكرُ

سأُعطي المطايا مانَوَتْه إلى النَّوى
فما عاقني وصلٌ ولاراعني هَجرُ

إذا ما نضتْ أرضُ العراقِ ركابنا
فقُلْ للمهاري: يومُ تعريسِكِ الحشرُ

لبستُ بها البيداءَ واللّيلُ نافرٌ
و قد كاد أنْ يفترَّ عن ثغره الفجرُ

و مال الدجى يخفي عن الشرقِ شخصه
و في قبضة ِ الآفاق من جسمه طرُ

أقول لصحبي والكرى مترددٌ
يبدده همٌّ وينظمه فرُ

وقد عَطفتْ أيدي الكَرى من رقابهمْ
كما عطفتْ أعطافَ شارِبها الخَمرُ

عيونُ الدجى أحنى على المجد منكمُ
فما بالُها تَرْنو وأجفانُكمْ فتْرُ 

سألتُكمُ بالله لا تَتَثاقلوا
على عَلَل الآسادِ أو يطلعَ البدرُ

وملومة ٍ يغشى النهارَ غُبارُها
لها لَجَبٌ كالرِّيح هايجَها القَطرُ

حَملنا إليها الموتَ والبيضَ والقَنا
بأيدٍ دمُ الأبطالِ في وَقْعها هَدْرُ

شببنا بها نارَ الطعانِ بفتية ٍ
مساعيرَ يخبو من تلظيهمُ الجمرُ

إذا انتقموا لم يطمع العفوُ فيهم
وإنْ صَفحوا لم يستفزَّهمُ الغِمْرُ

و ما بعثوا في مستطيرٍ عزيمة ً
فحاجَزَها بَرٌّ ولا ذادَها بَحرُ

و إنْ تلقهمْ قلاًّ لدى كلَّ مطمعٍ
فإنَّهمُ في كلِّ نائبة ٍ كُثْرُ

أَمُغْرية ً باللَّوم في سَمعِ مُعرِضٍ
دعوتِ شَروداً مايحيقُ بِهِ سِحْرُ!

وراءكِ إني ما تركتُ لباحثٍ
منَ الدَّهر مايُفضي إليَّ به سَبْرُ

تماطلني الأزمانُ عن ثمراتها
وينجحُ فيما يدَّعيهِ بها الغَمْرُ

فيا ليتني قصرتُ طولَ تجاربي
فلا عيَ إلاّ عيشُ منْ ماله خبرُ

وأشهدُ لو طالتْ يدُ الحزمِ في الورى
لما درّ للدنيا على أهلها درُّ

ولو شئتُ حُلَّتْ رِبقة ُ المال في يدي
ومانفعُ مالٍ دونَ عَورتهِ سِترُ

دعِ المالَ يمري دَرَّه كلُّ حاشدٍ
فذخرك من " كسب " المعالي هو الذخرُ

و لا تحسبنْ مستسلماً لتلادهِ
طليقاً فأهواءُ التلادِ له " أسرُ "

هل العزُّ إلاَّ أن ترى غيرَ طالبٍ
طلابُك غُرْمٌ ليس يُخلِفُهُ أجرُ

و لا خيرَ في رفدٍ تمدُّ له يدٌ
ولا في عطاءٍ يُقتضى عندَهُ شُكرُ

رضيتُ وما أرضى بلوغاً لغاية ٍ
و عند امتداد " الضيم ما يحمد العشرُ "

وهل مُبهجي قَدْرٌ رَضِيْ النَّاسُ مثلَه
إذا كانَ همِّي لا يحيطُ به قَدرُ 

سقَى اللهُ دهراً لم أطِعْ فيه رِقْبة ً
ولم يَنْهَني منه ملامٌ ولازَجْرُ

إذا التبستْ بي خطة ٌ فتّ شأوها
كما فوت " الأقذاءَ " جانبه التبرُ

" نصيبك " مما يكثر الناسُ ذكرهُ
ومحصولُه في عَرْضِ أفعالهمْ نَزْرُ

فللمجدِ ما أَهوَى البقاءَ وربَّما
حباني به عصرٌ ودافعني عصرُ