ما للخيالِ ببطنِ مَرٍّ يطرقُ - الشريف المرتضى

ما للخيالِ ببطنِ مَرٍّ يطرقُ
أنَّى وليس له هنالك مَطْرَقٌ 

زارَ الهجودَ ولم يَنَلْهُ ولا اهتدَى
منّا إليه مسهّدٌ ومؤرّقُ

لو كان حقّاً زارَ في وَضحِ الضُّحى
فالزّورُ وهناً كاذبٌ لا يصدقُ

زرتَ الّذين توهّموها زورة ً
ومضيتَ لمّا خفتَ أن يَتحقَّقوا

وقرُبتَ قُرباً عادَ وهْوَ تَبعُّدٌ
ووصلتَ وصلاً آب وهو تفرّقُ

وخدعتَ إلاّ أنَّ كلَّ خديعة ٍ
رَوَّتْ صَدى كَلِفٍ يُحبُّ ويعشَقُ

ما كانَ عندي والرُّقادُ مجانبٌ
لجفونِ عيني أنَّ طَيْفَكَ يطرُقُ

كيف اهتدى والبعدُ منّا واسعٌ
لرحالنا هذا العَناقُ الضيِّقُ 

أم كيف طاف مسلّمٌ بمكلّمٍ ؟
أم كيف عاج على الأسير المطلقُ ؟

ومُجَدَّلٍ بيد الكَلالِ كأنّه
فى الرّى ِّ يصبح بالمدامِ ويغبقُ

أمسى موسّده - وقد سكن الكرى
فى مقلتيه - ساعدٌ أو مرفقُ

وإذا ترفّعت الحدوجُ فقل لما
واراه عنّا الوَشْيُ والإستبرقُ

حتّى متى عطشانكمْ لا يرتوى
من مائكمْ ومريضُكمْ لا يُفرِقُ 

لم تَعرفوا شوقاً فلم تأووا لمن
يُضحي ويُمسي نحوكم يتشوَّقُ

أقسمتُ بالبيتِ العتيق تزوره
بالشّاحطين من الرّجال الأنيقُ

لمّا أتوهُ خائفين تشبَّثوا
بستارهِ ليُجيرَهمْ وتعلَّقوا

والقومُ في وادي مِنَّى فمجرَّدٌ
أو لابسٌ وملبّدٌ ومحلّقُ

والبدنُ يهرق ثمَّ من أوداجها
مالم يكن لولا العبادة ُ يهرقُ

والموقِفَينِ ومَن تراهُ فيهما
يرنو إلى عفوِ الإله ويرمُقُ

لبسوا الهجير محرّقين جلودهمْ
من خوف نارٍ فى الجحيم تحرّقُ

إنَّ الذينَ أعدُّهمْ من عُنصري
وبهمْ إذا فاخرتُ يوماً أَعلِقُ

لم يخلقِ الرَّحمانُ شِبهاً واحداً
لهمُ ولا هو بعد ذلك يخلقُ

شجعوا فمنسرهمْ يروّع جحفلاً
ووحيدُهمْ يومَ الكريهة ِ فَيْلَقُ

ولهمْ إذا جمدتْ أكفٌّ فى ندًى
أو في وغى ً أيدٍ هناك تَدَفَّقُ

قلْ للذين تَطامحوا أنْ يفخروا
بمفاخرٍ ببنائهمْ لا تَعْلِقُ

غضّوا اللّحاظَ فقد علتْ تلعاتكمْ
فى مفخرٍ منّا الجبالُ الشّهّقُ

وإذا تسابقت الجيادُ إلى مدًى
أو غاية ٍ أخذ الرّهانَ السّبّقُ

ولنا وليس لكم سوى الثّمدِ الذى
لم يروِ ظمآنا، بُحورٌ فُهَّقُ

كم ذا نكصتمْ عن طلابِ فضيلة ٍ
أنا من جوانبها أخُبُّ وأَعنِقُ!

وفررتُمُ ووقفتُ في ملمومة ٍ
فيها القنا بيد الطّعانِ تدقّقُ

وخرستُمُ ونطقتُ في النّادي الذي
يعطى المقادة َ فيه من هو أنطقُ

ورُزقتُ لمّا أن سعيت إلى العُلا
فاسعوا كما أنّى سعيتُ لترزقوا

وفريتُ لمّا أنْ خلقتُ فما لكمْ
والفَرْيُ ناءٍ عنكُمُ أن تخلقوا

والنّاسُ في الدنيا إذا جرَّبتَهمْ
إمّا هباءٌ أو سرابٌ يبرقُ

إمّا صديقٌ كالعدوِّ تقاعداً
عن نصرتى أو فالعدوّ المحنقُ

لا مخبرٌ يرضى القلوبَ ولا لهمْ
مرأى به ترضى النّواظرُ يونقُ

فى كلِّ يومٍ لى ديارُ أخوّة ٍ
تَخلو وشملُ مودَّة ٍ يتفرَّق

والقلبُ منّى بالكروبِ مقلقلٌ
والجلدُ منّى بالنّيوبِ ممزّقُ

وعَرِيتُ من ورقِ الإخاء وطالما
كانت غصونى بالأخوّة ِ تورقُ

فاليوم مالى من خليلٍ أرتضى
منه الإخاءَ ولا صديقٌ يصدقُ

أعطاهمُ زمنٌ مضى فتجمّعوا
وابتزّهمْ زمنٌ أتى فتفرّقوا

فلقد قطعتُ العمرَ في قومٍ لهمْ
فى كلّ مكرمة ٍ جبينُ مشرقُ

وعليهمُ من كلِّ مازانَ الفتى
فى العين أو فى القلب منّا رونقُ

ما فيهمُ إلاّ مُحَلّى ً بالعُلا
ومسوّرٌ ومتوّجٌ ومطوّقُ

وتراهمُ سامين فى طرقِ العلا
فإذا رأوْ سبلَ العضيهة أطرقوا

فالآنَ والسَّبعون تعطِفُ صَعْدَتي
وترثُّ منّى ما تشاءُ وتخلقُ

وتألَّقتْ لي لِمَّة ٌ كانَ الهوى
كلُّ الهوى إنْ لم تكنْ تتألَّقٍ

واسودّ منّى كلُّ ماهو أبيضٌ
بالرّغمِ لمّا ابيضّ منّى المفرقُ

طوّحتُ بين معاشرٍ مافيهمُ
خُلُقٌ ولا خَلْقٌ يُحَبُّ ويومَقُ

مِن دونهمْ أبداً لكلِّ فضيلة ٍ
سَتْرٌ وبابٌ للكريمة ِ مُغلقُ

فالظَّنُّ فيهمْ للجميلِ مكذِّبٌ
والظّنّ فيهمْ للقبيح مصدّقُ

فإلامَ يرميني بسهمٍ صائبٍ
مَن ليس لي منهم إليهِ مفوِّقُ 

فعلى الذين مضوا وعينى بعدهمْ
تجرى وقلبى نحوهم يتشوّقُ

منّى التحيّة ُ غدوة ً وعشيّة ً
ووكيفُ منخرقِ العَزالي مُغْدَقُ