عرائض - محمد حسن علوان

هذي العرائض عن حرقتي للتراب، وعن جدنا في الكلام النبيل،
وعن حرصنا أن نظلَّ حيارى، وللرجل المستمر بلا هدنةٍ في اغتيال التعبْ
...
وعن طرف القلم الذهبي المدبب في غرفة الصدر،
والقارئ الخشبيّ الذي ظلّ طول الحديث يطقطق مثل السقوف القديمة..
1
هل نفتحُ الآن كراسنا، ونغني..؟
في العمقِ فوضى من اللهو، والصعب، والحسراتِ،
وسيلٌ من الكدمات الطفيفة، والامتنان المكدّس في العين،
وقهقهةٌ لا تطول، وبعض الشهاداتِ، والجوع، وما لا يُقال.. وما لن يكونْ
عرائضُ ما كتبتها لكم غير هذي اليدانِ،
وما سوّلتها لها غير هذي الظنونْ
2
عن جابر الحضرميّ الذي قال عن بيتنا: كُلُّه حسراتٌ،
وعن أخته صار يبلعها الليل دون حنينٍ، ويلفظها: عشراتِ قطط!
مات قبل التراجع عن قوله، فتركتُ له أخته تترمّد في غرف الليل دون رفيق..
كلما عاد موسمنا العصبيُّ، تذكرتُ أني لعينٌ، وتبتُ على قبره،
وكتبتُ: أنا حرقتي للتراب!
3
وعن جدنا في الكلام النبيل، تذمّر من قبحنا واتفاق رؤانا،
فصاغ لنا سنناً وطرائقَ، واحتال كي يمنح القيد في عقلنا عطلةً.. فنفكر!
...
ودون اعتراض، جمعنا كلام الإله القبيح الذي صار في دمِنا،
ورجمناه حتى انتهى عن مناكفة الأرض كفراً، فدبّ على ورقٍ واحتراقٍ وحيد..
...
وحين غرقنا إلى القلب، أشرفَ وقتُ القراءةِ. قال أخي باكياً: هل تصدّقُ؟،
كان شيطاننا.. جدنا في الكلام النبيلْ!
4
وعن حرصنا أن نظلّ حيارى..
أنا..
لستُ أدري..
لماذا؟
5
وعن طرف القلم الذهبي المدبب ما زال مخترقاً غرفة الصدر مثل الصفير الطويـل،
ويربضُ دهراً كما يسكنُ اللقلق القرويُّ المداخنَ في الصيف،
يقتاتُ من حلمتي، ويؤذّن للشجن المستطيل الذي لا يغور..
وبعد الأذانِ العميق.. يصلّي على ورقٍ لا يصلْ!
6
وهذي العريضة: للرجل المستمرّ بلا هدنةٍ في اغتيالِ التعبْ..
وللبوصلاتِ القديمة..
للشِّعر حين يدقّ الرؤوس كمطرقةٍ من حنينٍ، وللجنسِ في قعر حزني،
وللجيم.. والهاء.. والأخريات..
7
للرجل الهادئ المحتسب..
له ما يشاءُ من الوجلِ البدويِّ. من الحَسَناتِ التي كدَّستها الشعوبُ.
له قاربٌ من خرافاتِ قوميَ أشنقها تحت هيكله كي يبوحَ.. ويحكي..
لهُ أشعلُ النارَ من كُتُبٍ رطْبةٍ بالسمو، له أعصر الفجر من تحت ربي،
وأسقيه أسطورةً نبذتها التواريخُ عشرين عاماً..ليَسكر.. جداً.. ويفرح..
8
.. ولامرأةٍ، حرَّكتها إلى قَدَري البوصلاتُ القديمة..
ألبوصلاتُ التي كان يغري بها الأنبياءُ العبادَ، التي أضجرتها المتاحفُ،
والبشر السمجونَ، استعادَت حكايتها في الصميم، ومدّت إلى كفر قلبي..
امرأة..
لها رحمةٌ كهواء الغريق.. وماء الرئة!
9
وهذي العريضة: للكائن المستقيم الذي يتربع فوق ضميري..
ليغفو قليلاً..
ليتركني تائهاً في الرحيق، ليركلني نجمةً لا تدور سوى ليلةٍ واحدة..
ليهريقني في النظام، ليشبع مني قليلاً..
ألكائن المستقيم الذي امتصّ كل الغوايات مني،
وقاتل فوقي الذنوب التي ما حقدتُ عليها وما كنتُ يوماً كرهتُ شياطينها الطيبين،
وعاندتُ سلطانها الجسديّ.. لكنه، المستقيمُ، كوتني شعائره،
وتمدّد فوق فمي كصليبٍ منيع!
10
يتبعُ:
ما يتشكّل في شهوتي من غبار قديم..
لتلويحةٍ مُرّةِ الكبرياء أتت من بعيدٍ، وأكسرها بالتذكّر..
للرسل الشامتين، أقول لهم: لو علمتم تواريخ ما تحت أقدامكم سوف تندهشون!
لهذا أقاومُ عَوْداً مُريباً، وأرفض أن أبعث اللحظات،
وأرفض أن أستعيد الرسائل، أرفض فعل الإياب المقيتِ..
لأني أصرُّ على أن ما بدّدته يدي من غبار الجسد..
لا يرتبه.. غير فعل الجسد!
11
ما زال عندي عرائضُ، لكنها لا تُقال..
وليس لها الآن متّسعٌ للبكاء..
هاأنتمُ بعد هذا..
تطقطق أشداقكم بالكلام المكرر..
مثل السقوف القديمة!
________
نوفمبر 2005