عطب - محمد حسن علوان

.
.
منذُ خمسين خريطة..
كان عندي إصبعٌ لم يرتفع قطُّ سوى في حصة الحبِّ،
ولم ينزل سوى في لحظة التوق، وفي ثغر الأخيرة..
كان زمّاراً غجرياً عندما تمنحه الأوراق أناساً ثملينَ
وأياماً، مثل أيام صديقي، شجرية!
يمنحُ الليلَ التفاصيلَ التي صرتُُ أنساها،
ويعفيني من النصف الأخير..
وكثيراً كان يُكملُ كل ما يتركه الله صباحاً من نوايا ناقصةْ
ويصلي..
كلما أدركه الجوعُ، انحنى في غرفة الحبر طويلاً ليصلي..
إصبعي العاطلُ عن شهقة السطر وعن كل الأغاني الجبلية!
ما زال محتفظاً بسيماه الجليلة..
ولطيفٌ أنني ما زلتُ أقضمُهُ.. ليبقى عارياً مثل احتضارِ الكستناءْ
* * * *
وصديقي.. صار تابوتاً مليئاً بالنهودْ..
كان هذا قبل عامين من الحب الأخير..
وقتها، كانت القهوةُ كفراً فلسفياً لا يمسُّ..
وكان شاي التوتِ مولى الصالحينْ!
مرّت على أجفانه امرأةٌ لها ألف ضفيرة..
ثم مرّت بعدها امرأةٌ من العاجِ،
وأخرى قال عنها ذات بوحٍ: ((إنها تعرقُ يا صاح نبيذاً !!))
كلما أجلسُ وحدي أتذكرْ:
كيف كان يطلُّ من عينيه مصباحٌ له صوتٌ طويـلْ
وإذا أحبَّ، يسيرُ في الطرقاتِ مثلَ الأنبياءْ..
يبيع وحماً للحبالى..
ويبيع قمحاً للقرى..
ويبيع فاكهةً، مدوّرةً، حمراءَ أو ورديةً.. سقطت على عنقه!
* * * *
.
.
والدكاكين التي في القلب مقفلةٌ جميعاً..
لم يعد عندي حساباتٌ جميلة!
مرّ عامٌ.. والتفاصيل أقل!
كانت الأشياء تعبر للرمادِ وكنتُ منشغلاً طويلاً باختراع النافذة!
لم أنتبه لليل يتلو فوق عمري آيتين من الصدأ !
لم أنتبه للجوع في قلبي، وأصواتِ النجوم الخائفاتِ من الفضيلة!
لم أنتبه أن الصباح أتى.. بدون رائحة احتلام ملائكة!
لم أنتبه للرقعة الشوهاء تكبرُ، والبيادق تختفي، والضوء يخفت، والكلام يقلُّ، والأيام تشبه بعضها..
* * * *
وكثيراً ما اعتمرنا في الصباح الصحو قبعة المطرْ
واختبأنا من بكاء الغير.. في كهف ذنوبٍ عصبية!
وكثيراً ما تقاسمنا حواصلنا معاً..
واجتهدنا في احتساءِ الشارع المسكوب نخب العاطلينْ!
نخبَ قاموسٍ من الأقدار ضاعت في الطريق.. ولم تصلْ،
وانتظرناها طويلاً..
وسألنا الله عنها،
وانتظرناه طويلاً
ووقعنا على لوح العباد الصابرين!
وركضنا، وتعبنا،
واشتهينا..
واتفقنا..
وقررنا بأن نعمل في الحقل،
وشمرنا سواعد آخرين!
* * * *
لا يغرنّكِ هذا الكبرياء..
غرفتي كانت خليطاً من ضبابٍ قدريٍّ وحكاياتٍ بسيطة!
وإلى الآن الزوايا نفسها..
علمتني كيف أبكي أربع مراتٍ.. بحزن مختلف!
انفضي سجادتي: تخرجُ منها آيةٌ ممضوغةٌ جداً، وحشدٌ من أمانٍ ميّتة!
((يا إلهي..
دائماً أفعلُ حبي جيداً جداً.. وأفشلْ!
دائماً أحشدُ نفسي كلها..
دائماً أعشقُ بالعروة الوثقى وبالقلب الذي لستَ ترعاه كثيراً
وأ ُخلِصُ مثل ناقوسٍ معطّل!))
يا إلهي..
يا إلهي..
يا إلهي..
دعواتٌ صعدت إلى أعلى..
.
.
وإلى الآن على السقفِ: بُقع!
* * * *
وأنا أخبئ قلبي المبتل في كنزتها،
وأصيح خوفاً: رتبيني..
لا تجيئي طفلةً..
كنتُ أعشقُ في زمان الحب مدرسةً من الأطفالِ أصبحن نساءً لرجالٍ آخرينْ!
بصراحةٍ بكماءَ مثلي:لم يعد عندي قماطٌ آخرٌ،
لم يعد عندي أهازيجٌ وحلوى..
قد كبرتُ.. كبرتُ.. كبرتُ.. كبرتُ.. يا أنثاي.. ((أنثاي الأخيرة!))
لم يبق عندي حبة الصبر التي أبلعها،
فأعيد شرح المنهج المكرور من خمس سنينْ!
________
16 يناير 2007
بورتلاند