عودي.. - محمد حسن علوان

عودي لبيتكِ.. واتركيني ها هنا
أنا لستُ أرضى أن أراكِ شقية!

يكفيكِ ما رشفت شفاهكِ.. فاذهبي
لم يبق في هذا الإناء بقية

قطفتِ آخر وردةٍ في داخلي
وأخذت آخر قبلةٍ عذرية

أنا لم أعد إلا خيال مآتةٍ
مترنحٌ.. في ليلةٍ شتوية

دبَّت على رئتي الهموم.. وها أنا
أقتات من آلامي المخفية

جرحي الذي قد كنت أرجو برؤه
نكأته ألف حكاية منسية

جفّت على شفتي ينابيع الهوى
وتبخرت كلماتي الغزلية

لا تنظري لي بارتيابٍ لا أنا
أهذي.. وليست نوبة عصبية

لم يبق ما أعطيكِ إياه فلا
تتأخري عندي.. فلست غبية

***

عودي لبيتكِ.. كنتِ أجمل نجمةٍ
نزلت على شرفاتي الليلية

قد كنتِ أسراب العصافير التي
قد سافرت في دورتي الدموية!

ومشيتِ فوق رصيف أهدابي أنا
وغفوتِ بين يديَّ .. كالحورية

أشهرتِ عطركِ.. في وجوه كآبتي
وعبرتِ شطآني بدون هوية!

غيَّرتُ بين يديكِ شكل ملامحي
من قال أنكِ حالةٌ عادية؟!

وأنتِ مثل البحر لحظة مدِّه
يجتاح كل قصوري الرملية

ما سرُّها شفتاكِ؟! إن قبَّلتني
فجَّرتِ في شفتيَّ ألف قضية!

أعدتِ قلبي من مرارة نفيه
ووهبتهِ الميثاق.. والشرعية

ونثرتِ في عيني خمسة أشهرٍ
هي عمر هذي الشقة البحرية!

***

رميتِ وجهكِ.. في احتراق أصابعي
ماذا تراكِ فعلتِ.. يا بوذية؟

رباه ماذا يوقظ الشعراء في
رغباتِ أنثى.. في دموع صبية!!

أصبحتِ ركناً في ظلام مقابري
سطراً.. على أوراقي السرية

ماذا أعتراكِ؟! وكنتِ أبعد مطلبٍ
حتى ارتميتِ عليَّ مثل الدميةّّ

أنا لست إلا موسماً وقد انتهى
سقطت جميع ثماره البرية

ها أنتِ تكتشفين أني خائفٌ
ومقعدٌ .. ومشاكلي أبدية!!

أغرتكِ فيّ مظاهري.. لم تعرفي
أني أسير تناقضاتي الحية

لم تسألي عني.. ولم تستفسري
ماذا وراء دموعي المخفية؟!

بركاني الغافي لخمسة أشهرٍ
قد عاد يقذف ناره الوحشية

لا تطلبي الإلهام يا مجنونتي
من شاعرٍ لا يعرف الحرية!

قد صودرت من صمته كل الرؤى
ودموعه قد أصبحت منفية

صارت مشاعره رماد سجائرٍ
ورؤاه صرن هياكلاً خشبية

اليأس ينهش - جائعاً - أحلامه
والنار تأكل روحه بروية

ترين ظل الحزن في أوراقه
الصفراء.. في عاداته اليومية

في صوته الموتور.. في خطواته
العجلى.. وفي ضحكاته العصبية

في شعره المسكون بالمجهول
بالمنفى.. بكل تناقض البشرية!

في صمته الممتد مثل سحابةٍ
سوداء فوق جزيرةٍ منسية

في ليلةٍ يمسي كأن بكاءه
تهويمة للموت.. هستيرية!!

***

أرجوكِ -ياعمري- أنا أن تذهبي
فلقد غدونا قصةً مروية

إني تماديتُ كثيراً.. كيف لي
أن أستبيحكِ مثل أي ضحية؟

عودي لبيتكِ.. لم تعد آثامنا
في الحب لهو مراهقٍ وصبية

أرجوكِ لا تتعلقي بي.. إنني
أحسست أن هواكِ مسؤولية

لا تربطي أبداً مصائرنا ففي
الآفاق عاصفةٌ تسير إليَّه

إني أسير بلا هدى.. فتسائلي
ما وجهتي؟.. حتى نسير سوية!

ما عاد لي إلا شقائي.. فارحلي
أنا لست أرضى أن أراكِ شقية!