رسالة - محمد حسن علوان

فتحتِ كتابي يا فتاتي خِلسةً
وتركتِ فيه وريقةً مطوية

يا طفلةً كبرت ولم أشعر أنا
فإذا بها قد أصبحت حورية

ما هذه الكلماتُ يا عصفورتي؟
أغرقتِني في الأسطر المائية

أصبحتِ تحترقين بالحب إذن
وتسطّرين رسائلاً غزلية

ركضت عيوني خلف كل غمامة
وغفت على كلماتكِ الوردية

بالغتِ جداً في انتقاء حروفها
فكأنها تهويمةٌ صوفية

من مقلة النور اصطفيت مدادها
والمرمرَ المصلوبَ في الخلفية

ذيَّلتِها بالأحرف الأولى فإذا
حرفاكِ مثل مراوح صينية

وتركتُ خلفي الوافقين لعلني
أخلو بهذي التحفة العاجية

المقطع المجنون.. كم رددته
وشربته.. ونطقته بروية

كم أنتِ رومانسيةٌ في الحب يا
مجنونتي.. كم أنتِ رومانسيةٌ!

كم أنتِ حالمةٌ ومرهفةٌ وفي
عينيكِ طيفُ حكايةٍ عذرية

أسلوبكِ العفويُّ أحيا داخلي
عشرين ألف مدينةٍ منسية

تتسلق الأغصان فوق أصابعي
تمتد من بين الحروف طرية

أحلى الرسائل دائماً تلك التي
تبدو إذا طالعتها.. عفوية

قبّلتِها.. وطويتِها.. وتركتِها
ترتاح بين خيولك العربية

ووقفتِ مثل حمامةٍ حطت على
نافورةٍ حمراء غرناطية

حتى ذهبتُ أنا وصار كتابيَ
المفتوح بين أكفكِ النهرية

فسحبتِها من طوق رافعةٍ لها
إبطاء أمٍ.. واندفاع صبية

وتركتِ في وسط الكتاب سحابةً
داخت بها صفحاته الشعرية

وسحبتِ نفسكِ في هدوءٍ وادّعتْ
عيناكِ غير اللهفة المخفية

ووقفتِ غيرَ بعيدةٍ تسري على
كفيكِ رعشة طفلةٍ.. شرقية

***

ما زلتُ أذكرُ لهوَها.. إنشادها
أوراقها.. ألوانها الزيتية

ضحكاتها الخجلى وصمتُ دموعِها
وغناءها ليلاً أمام الدمية

وحديثها المعتاد عن أقرانها
واللثغةَ المحبوبةَ الرائية

كبرتْ.. ولم أشعر أنا بنموها
وتفتّ؛ت ورداتها الجورية

السبعُ عشرةَ آذنت بتمامها
فتفجّرت في صدرها فسقية

النور شقَّ طريقه في وجهها
والخضر صار مسلّةً مصرية

وتمرّد المهران تحت قميصها
وتفلّتت عُرُواته العلوية

فكّت ضفائرها وراحت خصلةٌ
تنساب فوق جبينها بروية

صارت مراهقةً بكل جموحها
وبسبع عشرةَ وردةٍ صيفية

مريولها البنِّي صار حرائقاً
من خلفه جسدٌ بألفِ قضية

أضحت مشاعرها جواداً ثائراً
ودموعها.. تعويذةً سحرية

***

الليل أغفت مقلتاه ولم تزل
فيه مسافرةً بدون هوية

تسري الغريزة في عروق عروقها
بين الدماء أيائلاً برية

ظلّت تفكر في قضايا جسمها
ماذا جرى للقرية الجبلية

لم تبق زاويةٌ به لم تنتفض
لم تشتعل كفراشةٍ ليلة

لم يبق ركنٌ فيه لم تعصف به
قبليةٌ.. وتثور فيه حمية

راحت أصابعها تدير حوارَها
المجنون مع شطآنه الذهبية

ماذا تقول له؟.. لهذا الغاضب
المسكون بالأمطار.. بالعصبية

من ذا يحاور ناهداً متمرداً
في نشوة الإحساس بالحرية؟

ماذا ستطعمه؟.. وما في الغرفة
البكماء إلا السقف والأرضية

خشب السرير يكاد يقتل نفسه
في كل ركنٍ عربدت جنية!

وفراشها الوردي يقطر نشوةً
فكأنه دوامةٌ بحرية

يتأوه المصباح شوقاً فوقها
كم داخ مصباحٌ. بجسم صبية!!

***

إذن كبرتِ حبيبتي وتناثر
الفيروز بين عيونك العسلية

أًبحت فاتنةً من النوع الذي
يحتلُّني .. يحتلُّ كل خلية

في روعةٍ أعلنتِ عن عينيكِ
عن شفتيكِ.. عن رغباتكِ المنسية

عن قبةٍ دارت .. وعن تفاحةٍ
نضجت.. وعن غمازةٍ مخفية

متميزٌ كان احتفالكِ بالهوى
وجميلةٌ ألعابه النارية

مللتِ دوماً من دماكِ وها أنا
أصبحت في عينيكِ أثمن دمية

واخترتني حتى أذوّب ثغرب
البريَّ.. في أورادي المنفية

***

يا نجمتي البيضاء.. لا تتأخري
فالحبُّ مثل الليلة الصيفية

نامي على جفن المساء ولملمي
من مقلتيه نجومكِ الفضية

لا تتركي شفتيكِ دون حكايةٍ
أو تتركي طفليكِ دون هدية

الحب في الشهر الأخير فحاولي
ألا تكون ولادةً عادية!!

كوني إذا أحببتني فنانةً
بحريةَ الإحساس.. تلقائية

كوني شعوراً يستبدُّ بأضلعي
يجتاحني بطريقةٍ وحشية

غوصي كسيفٍ في كيان قصيدتي
وتغرغري بقصائدي الغزلية

أنا لا أريدك مقعداً في داخلي
أو صورةً.. أو قطعةً خزفية

إني أريد حبيبتي (أوركسترا)
قيثارةً تمشي.. وسمفونية!!

الحب لا يبقى طويلاً إن نمى
كالذنب في زنزانةٍ فردية

لا حبَّ إلا فيه نهرٌ غاضبٌ
وفمٌ يصيح.. ونزعةٌ ثورية

لا حبَّ إلا ما يفجرني أنا
في لحظةٍ خمسين ألف شظية

الحب أعنف رقصةٍ تجتاحنا
وطبوله كالرعد.. إفريقية

كم من هوىً مثل الغمامة لونه
قتلته في أرحامنا السرية

أولى شروطي في اختيار حبيبتي
لا بد أن تتعلم (الحرية)!!