الملاك - محمد حسن فقي

بشْرى وأنتِ أَحَبُّ بُشْرى
إنِّي لأَنْشُقُ منكِ عِطْرا!

كالوَرْدَةِ الفَيْحاءِ من الرَّوْضِ
النَّضير كنَجْمَةٍ تَخْتال كِبْرا..!

سَمْراءُ تَحْسَبُها العُيونُ
إذا رأَتْها التَّمَّ بَدْرا..!

يُرْضِيكَ منها ما اسْتَبانَ
كما يَشُوقُكَ ما اسْتَسَرَّا!

يا مِصْرُ كم أَوْلَيْتِنا
مِنَنا فَنَحْن نُحِبُّ مِصْرا!

* * *

يالَ الجمالِ المُسْتَطِيلِ بِسِحْـ
رِهِ طَوْعاً وقَهْرا…!

القلْبُ يَشْكو مِن هواهُ
يُذِيبُهُ والعَيْنُ سكْرى!

لا تَرْشُقيني بالسِّهامِ
فإنَّ لي في الحُبِّ عُذرا!

أَوْ تُسْدِلي دُوني السِّتارَ
فما أَطِيقُ اليَوْمَ سِتْرا!

فَسَتَكْسَبِينَ إذا اصْطَفَيْتِ الشَّاعِرَ المَفْتُونَ أَجْرا!

* * *

قدَري فقد ودَّعْتُ دُنْيا
الحُسْنِ.. وُجْداناً وفِكْرا!

ومَضى اليَراعُ يُشِيحُ
عنها واجتوى وَرَقاً وحِبْرا!

ولَبِثْتُ في دُنْيا التَّنَسُّكِ مِن سنيني البِيْضِ عَشْرا!

لا هَمَ لي في الغِيدِ بَلْ
أَمْسَيْنَ لي أَطْيافَ ذِكْرى!

ورأَيْتُها يَوْماً.. رَأَيْتُ
وَسامَةٌ. ورأَيْتُ طُهْرا!

لَيْسَتْ كباقي الغِيدِ حُسْناً
باهِراً.. يَفْتَنُّ سِحْرا!

يُخْفي القُيُودَ وراءَ رِقَّتِهِ
ويُبْدي اللُّطْفَ مَكْرا!

يَهْوى التَّحكُمَّ في القُلوبِ. وَيَشْتَهِي رِقّاً وأَسْرا!

* * *

لكِنَّها كانتْ مَلاكاً
يَمْلِكُ الحُسْنَ الأَغَرّا!

ويَضُمُّ في بُرْدَيْهِ عِلْماً
يَزْدَهي.. ويَضُمُّ فَخْرا..!

لَذَهِلْتُ منها وازْدَهَيْتُ
بِكُنْهِها سِرّاً وجَهْرا..!

فَكَّرْتُ في الرُّجْعى إلى الحُبِّ
الطَّهُورِ.. وكان أَحْرى!

لاقَيْتُ رِبْحاً بَعْدما
جَرَّبْتُ ما قد كانَ خُسْرا!

* * *

يا مُنْيَةَ الفِكْرِ الشَّغُوفِ
لقد أَحَلْتِ العُسْرَ يُسْرا!

نُذُري اللَّواتي قد عَبَثْنَ
بِمُهْجَتي.. أَمْسَيْن بُشْرى!

يا جَنَّتي العَذْراءُ بُلْبُلُكِ
المُغَرِّد شادَ وَكْرا!

مِن حَوْلِه الأَزْهارُ تَعْبِقُ
والغَدِيرُ يَسِيلُ. والأَنْغامُ تَتْرَى!

أَفَلا أَكُونُ به السَّعيد
وقد أطِبْت له المَقرَّا؟!

أنا سوف أَبْقى المُسْتهَامُ المُرْتَضِي وَصْلاً وهَجْرا!

إن كانَ حُلواً في المَذاقِ
يَلَذُّني.. أَوْ كانَ مُرَّا..!

* * *

يا قَلْبُ كم لاقَيْتَ في الصَّبَواتِ مِن كَسْرٍ. وكم لاقَيْتَ جَبْرا!

ولقِيتُ مِنه نُحاسَهُ
صَدِئاً. ومنه لَقِيتَ تِبْرا..!

فاهْنَأْ بِحُبِّكَ تَصْطَفِيه
ويَصْطَفِيكَ اليوم ذخرا..!

وقُلِ السَّلامَ على الرُّفاتِ يَضُمُّ في الظُّلُماتِ قَبْرا!

فلقد أَشَدْتَ بِما شَدَوْتَ
لِمن رَضِيتَ هَواهُ قَصْرا!

هذا القَرِيضُ المُسْتَفِيضُ
تروضه مَدّاً وجَزْرا!

أَغْلا وأَنْفَسُ من كُنُوزِ
الماسِ والإِبْرِيزِ.. قَدْرا!

المَجْدُ لِلشِّعْرِ الرَّفيعِ
وقد مَهَرْتَ الحُبَّ شِعْرا!

* * *

أحَبِيبَةَ الغِرِّيدِ في العَلْياءِ
هَلاَّ قُلْتِ لِلْغِرِّيدِ شُكْرا؟!