الجسد .. والروح - محمد حسن فقي

كيف أَلْقاكِ غداً يا حُلْوتي
وأنا مُعْتَكِفٌ خَلْفَ الوَصيدْ؟

كيف .. والدَّمْعَةُ تَتْلو آهَتي
والمنى تَنْثالُ في خَصْرٍ وجِيدْ؟!

***

أَفَتَغْدوا واقِعاً تلك المُنى؟!
فأَراني راكِضاً فوق السَّحابْ؟!

وأَرى الطَّلْعَةَ مِن ذاتِ السَّنا
فَأَرى الوابل مِن بَعْدِ السَّرابْ؟!

***

يا لَ قَلْبي من جَرِيحٍ نابِضٍ
بِهَوىً يَقْسُو عليه.. ويَلِينْ!

يتراءى كسحابٍ عارضٍ
ثم يَنْأى .. وهو بالَغوْثِ ضَنِينْ!

***

غائِباً بِضْعَ سِنِينٍ يا لَهُ
من هَوىً يَشْغَفُني ثم يَشيحْ!

غالَ.. والقَلْبُ يَرى مَن غالَهُ
بَلْسَماً يُشْفِي. وحُباً يَستَبِيحْ!

***

قلْتُ يا قَلْبُ .. أما يَثْنِيكَ ما
راعَ ما أَسْقاكَ مِن مِلْحٍ أُجاجْ؟!

هو نَصْلٌ ما اشْتَهى إلاَّ الدَّما
مِنْكَ . وانْسَلَّ وما ترْجو العِلاجْ؟!

***

قال ما أَرْجُوهُ.. إنَّ الأَلَما
هو نَجْوايَ . وإِلْهامي .. وَوَحْيي!

شَحَذَ الفِكْرَ.. وأَذْكى القَلَما..
فهو بَعْد الظَّمَأ الحارِقِ رِبِّي..!

***

كنْتُ أَهْذي حِينَما أَمَّلْتُ وَصْلي
مِنْه. كُنْتُ الطِّفْلَ يَهْفُو للرَّضاعْ!

هو قد يحلو. وقد يُثْمِلُ عَقْلي..
ثُمَّ يَتْلُو ثَملي منه الصُّداعْ!

***

تشْتَهي نَفْسي القِلا راضِيةً
وهو يُصْلِيها بِسُهْدٍ وعذَابْ!

وتُجافي وَصْلَها مُغْضِيَةً
عن لُهىً آلاؤُها تُخْفي التَّبَابْ!

***

هي نَفْسٌ أَلِفَتْ أن تَمْتَطي
صَهْوَةَ المَجْدِ. وإن كانَ حَرُونا..!

قالَتِ الشُّهْبُ لها لا تَقْنَطِي
وارْكَبي الصَّعْبَ. ولا تَخْشِي المَنوُنا!

***

فاسْتَجابَتْ . وارْتَأَتْ أَنَّ الهَوى
أَلَمٌ يُشْجِي. وفَنٌّ يَسْتَجِيبْ!

وهي في الأَوْجِ اشْتَطَّ النوَّى
تَتَملىَّ جَوْهَرَ الكَوْنِ العَجِيبْ!

***

وهي في الدَّرْكِ إذا الحُبُّ ارْتَوى
مِن رُضابِ الحُسْنِ ما يَنْدَثِرُ..!

يا لَهُ مِنْ َمْنهَلٍ يَشْفي الجَوى
ثم يُغْثِي .. ويَسُوءُ الصَّدَرُ!

***

قال لي .. إنَّ حَبِيبي قَمَرٌ
قُلْتُ قد يَسْخَرُ مِنْكِ البَصَرُ!

فَتَراهُ بعد حين تائِهاً
حينما يَخْسِفُ هذا القَمَرُ..!

***

عَرَكَ الدَّهْرُ شُعوري والحِجا
فَرَأَيْتُ الجَسَدَ الحالي.. رُفاتا!

حُسْنُهُ ضَوْءٌ يُغَشِّيهِ الدُّجى
وهو صَحْوٌ نَرْتَجَي منه السُّباتا!

* * *

ولقد يَحْلُو لنا سُلْوانُهُ
حينَ ما نَبْلُغُ مِنْه الوَطَرا!

ولقد تبدو لنا أفْنانُهُ
عَوْسَجاً نَأْخُذُ مِنْه الحَذَرا!

* * *

ورأَيْتُ الرُّوحَ رَوْضاً عابِقاً
بِزُهُورٍ .. وثِمارِ.. ومَناهِلْ!

كُلَّما جِئْتُ إليه طارقاً
قُلْتُ ما أَحْلاكِ يا هذي الشَّمائِلْ!

***

فيه نَهْرٌ أَرْتَوِي مِنْه.. ونَخْلٌ
أَجْتَنِيهِ.. ونَسِيمٌ وبَلابلْ!

ههُنا الحُسْنُ الذي يخبو ويَحْلُو
وهُنا العِزِّةُ تَغْلُو.. والجَلائِلْ!

***

بَعْد هذا الحُسْنِ يُشْجي بالرُّؤى
والأمانِيِّ .. أَراني ثَمِلا!

ما أُبالي مَن دَنا.. أَوْ مَن نأى
فلقد عُفْتُ الهوَى والغَزَلا!