حب وعرفان - محمد حسن فقي

رأيْتُ لعبد الله مَجْداً مُؤَثَّلاً
تحدَّر من آبائِهِ الصِّيدِ واسْتَعْلى!

فمن جَدّه عبد العزيز.. وفَيْصلٍ
أبيه تَبَدَّى المجد مُمْتَنِعاً فَخَلا!

ولله في عبد العزيز مآثِرٌ
رأَيْنا بها الوَبْلَ المُبَشِّرَ والطَّلاّ!

وكانتْ بِلادُ العُرْبِ شَمْلاً مُمَزَّقاً
وخَوْفاً.. فلا وَعْراً أَميناً. ولا سَهْلا!

فلا الحجُّ مأمُونٌ ولا المسجد الذي
تَمَيَّز بالمُخُتارِ.. وانْتَزَعَ الجهلا!

فكم مِن حَجِيجٍ راح يَقُصُدُ طَيْبَةٌ
تَفَزَّعَ نَهْباً. أو تَرَدَّى بِها قَتْلا!

طرائِقُ شَتَّى أفْزَعَتْ كُلَّ طارِقٍ
وإنْ بَذَلوا من الله ما جَلَّ واسْتَحْلى!

تَصَدَّى لها عبد العزيز فَصانَها
من العَبَثِ المُزْري. وكانَ له أَهْلا!

فما هي إِلاَّ جولة بعَدَ جوْلَةٍ
فَراحَ بها الباغُونَ صَرْعى بِما أَصْلى!

فمنهم أَطاعَ السَّيْفَ يَشْدخُ هامَهُ
ومنهم رأى أَنَّ الرُّضوخ به أوْلى!

فَلِله ما أَجْدى علينا جِهادُهُ
فقد صَحَّ منه ما تَهافَتَ واعْتَلاَّ!

يُشِيدُ به الشَّادُونَ في كُلِّ بُقْعَةٍ
فكم مِنَّةٍ تُرْوى. وكم آيةٍ تُتْلى!

وهذا هو الخُلْدُ الذي ظَلَّ شامِخاً
مُشِعّاً على الدُّنْيا بآلائِهِ المُثْلى!

ومِن بَعْدِه جاءَ الغَطارِيفُ.. كُلُّهُمْ
شَغُوفٌ بِمَجْدٍ لا يَخيسُ ولا يَبْلى!

بدا فَيْصَلٌ لِلنَّاسِ مَجْداً مُلألِئاً
يُضِيءُ.. فلا حِسّاً يَضِلُّ. ولا عَقْلا!

تأَلَّقَ في عَيْنَيْ أَبيهِ فَسَرَّهُ..
وكيف؟! وقد كانَ السَّبوق الذي جَلىَّ؟!

فقال له كُنْ نائبِي.. وأَحَلَّهُ
مَحلاًّ رَفِيعاً.. ما أَعَزَّ وما أَغْلى!

فقد كانَ فيه المُصْطَفى سَيِّدُ الورى
فكانَ به طِفْلاً.. وشَبَّ به كَهْلا!

فَراسةُ مَوْهُوبٍ عَظِيمٍ مُسَوَّدٍ
وفِطْنَةُ مَوْهُوبٍ. وكان له نَجْلا!

ولَسْتُ بِمُسْطِيعٍ. ولا الشّعْرُ قادِرٌ
على صَوْغِ ما كانا بِه. وله أَهْلا!

فَفي البَحْرِ أَسْرارٌ. وفي الطَّوْدِ رِفْعةٌ
تُحَيِّرُ قَوْلا.. أَنْ يُحاوِلَ.. أْو فِعْلا!

وشاءَ يَراعي مَرَّةً فأَرابَني
فَقُلْتُ له – لما رَثَيْتُ له – مَثلا!

وقُلْتُ له أَبْصِرْ.. فَحَوْلَكَ ثُلَّةٌ
كَوَاكِبُ.. كانُوا لِلَّذي سادَنا نَسْلا!

أَشاوِسُ. لَو فَوْق النُّجُومَ مَنَابعٌ
لَتاقُوا إليْها. واسْتَطابُوا بها النَّهْلا!

ولم يَثْنِهمْ عَن قَصْدِهم غَيْرُ نيْلِهِ
وكيْفَ.. وقد أَدُّوا له الفَرْصَ والنَّفْلا!

وقد ناضَلُوا حتى اسْتَوَوْا فَوقَ هامِهِ
فساروا وقد مَدّ الطُّمُوحُ لهم حَبْلا!

تَذكَّرْ سعوداً وهو أوَّلُ عاهلٍ
تَسَنَّم عَرْشاً يَنْشُدُ الحقَّ والعدْلا!

تَسَنَّمه والنَّاسُ تحمد ما بَنى
أبُوهُ.. ويَلْقى حَوْلَه الحَوْلَ والطَّوْلا!

وحَسْبُكَ مِن هذه السُّلالِة خالِدٌ
وفَهْدٌ. وقد كانَ السُّمُوُّ لهم شُغْلا!

فَأَوْرَثَهم مَجْداً طَريفاً وتالِداً
وأَوْرَثَنا نَحْن الكرمةَ والفَضْلا!

لَك الله يا فَهْدُ الحَبِيبُ وخالدٌ
فإنَّكُما الجُودُ الذي اسْتَأْصَلَ البخلا!

وإنَّكُما الفَخْرُ الذي يَستَفِزُّنا
إلى المَدْحِ.. لولا أنَّه لم يكُنْ جَزْلا!

***

ويا شِعْرُ هل لي أَنْ أَبُوحَ بِمُضْمَرٍ
من الحُبِّ أَصْلاني الذي لم أَكُنْ أصْلى!

لَئن عَزَّني فيه الثّناءُ فَإِنَّني
أراني بِحُبِّي أعْشّق الصَّدَّ والوَصْلا!

وأعْذُرُ شِعْري إنْ تَقَاصَر واسْتَوى
على العَجْزِ واسْتَخْذى بِقافيةٍ عَجْلى!

فما هو إلاَّ الشِّعْرُ يَسْتَقْطِبَ النُّهى
فَيَشْدو كما تَشْدُو مَشاعِرُهُ الجَذْلى!

وما هو إلاَّ المَجْدُ.. إلاَّ رُسُوخُهُ
وما هو إلاَّ أَنْ غَدَوْتَ له ظِلاَّ!

عَشِقْتُ العُلا مَنْذُ الصِّبا فَوَجَدْتُها
لَدَيْهِ. فَنَادَتْني أَلا كُنْ له خِلاَّ!