أيها الحفل الكريم - محمد حسن فقي

ما أراني على البيان بقادرْ
بين أهل النُّهى وأهل المشاعرْ!

أنا ما بيْنكم حمامة تغْشى
مَجْلساً يزدهي بِشُمِّ الغضافر!

كيف يَشْدو بَيْن الصقور حمامٌ؟!
أَو يُغَنِّي مع النُّسور عصافِرْ؟!

ولقد كنتُ من صبايَ شغوفاً
بالذّرى.. مِن مَواردٍ ومصادرْ!

أقرأ الشِّعْرَ للبهاليلِ مِن مِصْرَ
حفيلاً بما يَسُرُّ الخواطرْ!

ويُمِدُّ النُّهى بِنُورٍ فيطوي
بالذي ضَمَّهُ قتامَ الدَّياجرْ!

يال روحي مِمَّا انْتَشَتْ وتغذَّتْ
منه بالعذْبِ من سَخيِّ المواطرْ!

وسمعتُ الرٍّفاق حَوْلي يقولون
وقد فُوجِئوا بِغُرِّ الجواهرْ!

إنَّ هذي الأَسفارَ تَحْفَل بالعلْم
وبالفَنِّ. والمعاني السَّواحِرْ!

ما رأينا كَمِثْلِها.. فإِلى مِصْرَ
نَحُثُّ الخُطا.. ونَبْني المعابِرْ!

وأقامُوا بِمِصْرَ حيِناً من الدَّهر
وعادوا منها بِأَغْلا الذَّخائرْ!

فَنشُدُ الرِّحالَ.. لا يَخْذَلُ الأَيْنُ
خُطانا.. ولا تَروُعُ المخاطِرُ!

في الدِّيارِ المُقدَّساتِ حَنِينٌ
لِلحجى والرُّؤى وحُلوِ المخاضِرْ!

كلُّها فيه ماثلاتٌ. فما أكْرَمَ هذا الحِمى. وهذي العناصرْ!

مِن لَيوثٍ. وما تميلُ إلى البَطْشِ وإن كانتِ الضَّواري الكواسِرْ!

وظِباءٍ تَشًمُّ مِنْهنَّ نَفْحاً
مِن عَبير النُّهى. ومَجْدِ المآثِرْ!

جَلَّ ربِّي فههُنا غَيْرُ هذا
تَتَجلَّى مَجامِعٌ ومَنابِرْ..!

فالسِّياسيُّ واضِحٌ من مَجالِيه
فما دسَّ في الظّهورِ الخناجِرْ!

غَيْرَ نَزْرٍ من الرِّجالِ
وما ثَمَّتَ رَبْعٌ إلاَّ وفيه الغوادرْ!

وإذا كانت النوادِرَ في النَّاسِ قليلاً.. فَفيهِ كُثْرُ النَّوادرْ!

وحُمادى القَولِ الوجيز هُنا الدَّوْحُ تَراءتْ أغصانُه كالغدائِرْ!

فيه شَتَّى من الأزاهيرِ تَخْتالُ
فَتُشجي أبصارَنا والبصائِرْ!

وثِمارٍ يَحْلو جَناها. فما نَقْطُفُ
مِنْها إلاَّ الشَّهِيَّ المُخامِرْ!

يالَ هذا الحٍمى تَميَّز بالمجِدِ
بَنَتْه لُيوثُهُ والجآذِرْ!

رَبَطَتْ بَيْتَنا الأَواصِرُ حتى
صَيَّرتْنا الأخْوانَ هذى الأواصِرْ!

***

يا رِجالاً عَرَفْتُهمْ ونِساءً
تَيَّمَتْهُمْ مآثِرٌ ومَفاخِرْ!

فَتَخيَّلْتُ أَنَّني في الذُّرى الشُّمِّ
تَكَلَّلْنَ بالنُّجومِ الزَّواهِرْ!

فاعْذُروني إذا عَجَزْتُ عن القَوْلِ
فَأَنْتُم صروحه والمنائِرْ!

ولقد يَعْجَزُ البليغُ عن القَوْلِ
وتَثْنيهِ عن مُناهُ الهواصْرْ!

وإذا حَفَّتِ النَّسائِمُ بالرَّوْضِ
فهل يَرْتَضي بِحَرٌ الهواجِرْ؟!

لتَمنَّيتُه فقال وهَيْهاتَ
فحاذِرْ من الجُدٌودِ العَواثِرْ!

إنَّ بَعْضَ الأقْوالِ رِبْحٌ على النَّاسِ
وبَعْضٌ منها عليهم خَسائِرْ!

ولَشَتَّانَ ما الصغائِرُ في الوَزْنِ
وإن كابَرَتْ كَمِثْلِ الكبائِرْ!

***

فسلامٌ لكم كعَذْبِ سجاياكم
كحُلْوِ المُنى.. كطِيبِ السَّرائِرْ!

وسلامٌ على الأَوائِلِ منكم
وسلامٌ على كريم الأواخِرْ!