ماض وحاضر - محمد حسن فقي

نظَرْتُ إليها وهي تَرْنُو بِطَرْفِها
إليَّ كَلَيْثٍ في عَرِينٍ مُمَنَّعِ!

فَأطْرَقْتُ إجْلالا لها ومَهابةً
وخِفْتُ فقد تَلْهو وأَشْقى بِمَصْرَعي!

وقلت لها رِفْقاً فإنِّي مُفَزَّعٌ
من الحُسْنِ هذا وهو غَيْرُ مُفَزَّعِ!

ألا رُبَّ قَلْبٍ من جَمالٍ مُبَرْقَعٍ
يُطِيحُ بِقَلْبٍ من كَمِيًّ مُدَرَّعِ!

تَبارَكْتَ رَبِّي كيف يُشْقي قُلوبَنا
ويُسعِدُها حُسْنٌ شدِيدُ التَّرَفُّعِ؟!

ولو أَنَّني خُيِّرْتُ ما اخْتَرْتُ مَوْقِفاً
لَدى بابِهِ أُبْدِي إليه تَضَرُّعي!

فَلِلْحُرِّ نَفْسٌ لا تَطيقُ تَضَرُّعاً..
ولا تنثني عن مَجْدِها المَتَضَوِّعِ!

ولكِنَّها تهفو إلى الحُبِّ مُلْهِماً..
بِكُلِّ نَضِيرٍ في الحياةِ ومُمْرِعِ!

بِيَنْبُوعها الحالي.. بِشَدْوِ طُيُورِها
بِآلائِها من كُلِّ غالٍ ومُمْتِعِ!

فكيف أَطِيقُ الصَّبْرَ عنه وصَبْوَتي
إليه كجَمْرٍ حارِقٍ بَيْن أَضْلُعي؟!

فيا لَيْتَه لم يَطْغَ.. يا لَيْتَ قَلْبَهُ
شَجِيٌّ فما يَطْغى كَقَلْبي المُوَلَّع!

ولكِنَّ بَعْضَ الحُسْنِ يَدْفَعُ ربَّه
إلى جَنَفٍ يَقْسو على المُتَوَجِّعِ!

فَيَضْطَرُّه إِمَّا إلى النَّأْي كارِهاً
وإمَّا إلى جَدْي يَسيرُ بأَرْبَعِ!

ولَيْسَ كَمِثْلِ الهَجْرِ لِلْحُرِّ قاتِلٌ
ولَيْس كمِثْلِ النَّأْي لِلْمُتَفَجِّع..!

ولو كان رَبُّ الحُسْنِ يُدْرِكُ أَنَّه
غَداً سَوْفَ يَمْضي الحُسْنُ غَيْرَ مُوَدِّعِ!

لَمَا كانَ مَفْتُوناً.. وما كانَ قاسِياً
على عاشِقٍ ذِي خافِقٍ مُتَقَطِّعِ!

فيا رُبَّما يَغْدو العَتِيُّ وحُسْنُهُ
تَوَلَّى فَيُشْقِيه ازْدِراء التَّقطُّعِ!

* * *

وقال أُصَيْحابي. وقد شابَ مَفْرِقي
وبانتْ غُضُونٌ في المُحَيَّا المُضَلَّعِ!

متى أَنْتَ يا هذا المُدَلَّهُ تَرْعَوِي
وتُقْصِرُ عن هذا الهوى المُتَطَلِّعِ؟!

لقد عُدْتَ شَيْخاً راعِشاً مُتَخلِّعاً
وما زِلْتَ عن بَلْواكَ لَسْتَ بِمُقْلِعَ؟!

يُشِيحُ الهوى والحُسْنُ عنكَ. أَما تَرى
وتسمع ما قالاه فيك؟! ألا تَعِي؟!

* * *

وقُلْتُ لأَصْحابي. لقد كُنُتُ طامِعاً
وقد كانَ ما حاوَلْتُهُ شَرَّ مَطْمَعِ!

وقد كنْتُ ضِلِّيلاً حَسَبْتُ كهُولَتِي
كمِثْلِ شبابٍ ساءَ فيه تَمَتُّعي!

مِن الرُّشْدِ لِلْفانِي الذي عاشَ ماجناً
وصَدَّعَهُ الشَّيْطانُ أُنَكى تَصَدُّعِ!

تَراجُعُهُ عن غَيّهِ واجْتِنابُهُ
مآثِمَهُ قَبْلَ الرَّدى المُتَوَقِّعِ!

ولم أَتَراجَعْ بَعْدُ يا لَيْتَ أَنَّني
سَلَكْتُ سَبِيلي حِكْمةٍ وتَهَجُّعَ!

فَشَتَّانَ ما بَينيْ تَفَجّعِ يافعٍ
وشَيْخٍ على العِلاَّتِ لم يَتَوَجَّعِ!

* * *

تَبارَكْتَ رَبِّي هل سَتَسْخو لآِبِقٍ
بِتَوْبَتِه حتى يَرى خَيْرَ مَهْجَعِ!

فَيَمْشي به مِن بَعْدِ طُولِ غِوايةٍ..
ويَسْرِي على نورٍ هناك مُشَعْشَعِ!

بَلى إِنَّني أَرْجو فما لي وسِيلَةٌ
سوى عَفْوِهِ المأْمُولِ يَوْمَ التَّجَمُّعِ!

تَجَرَّعْتُ حُلْوَ الإِثْمِ يَوْمَ شَبِيبَتي
وها أنا أَشْكو من قرِيرِ التَّجَرُّعِ!

لقد جَعَلَتْ مِنِّي الغِوايَةُ طِفْلَها
وأدْنَتْ فَمي الظَّمآن مِن ثَدْي مُرْضِعِ!

وأهْفُو بِيَوْمي لِلتُّقى وجَلالِهِ
ونِيَّةِ قِدِّيسٍ. وعَزْم سَمَيْدَعِ!

كأَنِّي بِنَفْسي. وهي في حَمْأَةِ القَذى
تَنِقُّ. فما كانت سوى نَفْسِ ضُفْدُعِ!

* * *

أَهِيْمُ بِمَجْدِ الخالِدين وأَجْتَلي
محاسِنَهُم.. أَهْلي وصَحْبي ومَرْبَعي..!