رحالة - محمد خضر

أنت لم تختر هذه الطريق كي تقطف عشبة القدر
أنت مصيرك الملون في إطار من البلاستيك
تحاذر ما تستطيع وتكسب فصلا مجانيا في درس الجو
تحاذر و تعرف ذاتك المسدلة بعنفوان إلى زهو الخيول
تحاذر وتصنع من حكايات القرية شالا مزركشا كي تلبسه الذكريات
تحاذر وتنجو ولو بخديعة الخسران ,
تنجو لأنك قادر على جسارة الموهبة
تنجلي مثل ضوء ضخم لصيد غزلان الغابة
تحاذر وتنجو وتهلك كغريزة للمرء
ترميك الأزمنة من حضن إلى جبل ومن جبل إلى البدو ومن البدو إلى البحر
ومن البحر إلى غرفة معتمة
كأن ما يغشاك قرابة الناس الذين كبروا من خانة دمك
كأن الحذر والنجاة والهلاك الحبيب
مائدة روحك كي تمشي إلى دمك
ترميك الأزمنة ويفسر لك الحلم مستحيلات في الخاطر
تقول الحكمة وتنساها
تقول الحكاية ويقتلك السرد
توقع تواريخ في ذيل البياض فتنتحر أجنحة الروح
وتنسى !
أنت لم تختر هذه الطريق
كنت تحاول أن تسبح في نهر مكثف
يخالج سماوات الطموح
وكنت ..وكنت
لم تختر النصيب ولا انحازت قرعة الملائكة إلى ملامحك
ثم مشيت لأنك جدير بالخدر وهارب من ذاكرة الطريق
لم تكن الريح تقدم المبادرة
لم تكن – حتى – جاهزة للقاءات الصدفة
كانت بالدراجة تعبر وكنت تؤجل التعالق
لأنك واثق أن الصدفة رحيمة وأنك ستعود يوما
قلت مرة : عن حياة جاهزة لكنها في الانتظار
كانت الكراسي فارغة كأنها صحراء من معدن
ولاشيء سوى لوحة الخيول التي خرجت من الماء
لم تكن وحدك في البياض ولكن قوس قزح
وحده يضيء السلالم
يسألك عابر عن الحال والأهل والوظيفة
تشد على يديه فينسى حزنه بين أصابعك
وتبقى الكراسي فارغة
تمهلت في الارتواء, طارحت صحراءك كي تغفل عنك
علقت روحك على مشجب من رماد
فطارت بومة في البحيرة
لم تنتظر ولم تذهب إلى رأفة الحاصل
كنت تلاعب القدر في النهار الواضح
ويطعنك في النوم
ترمدت عروق الأحلام في قلبك
وجلست وحولك الكراسي فارغة
غافلك السهو وجفلت في توقع العدو
كنت تصادق مرايا محدبة
سال زيتها من أول القناع
لم تنج هذه المرة
كان معطفك أعلى من الشتاء فخانك المأمن
ورحلت !
تدخل في زحمة العالم وتفقد قدميك على عتبه القارة
كأنك شعله الاولمبياد !
تدخل في مسودة مطولة عن ذاكرة مرقعه بالأمنيات
ولكنها تشع ...تشع
تدخل إذ يخرج الشارع منك
فيظن العابر أنك رحلت
لم ترحل
ما يعنيك ما يتلاشى فيك وينحسر في الروح
بعيدا عن السطح أنت
بينما تلوح في الأفق مسطحات كثيرة
منهوب بما لا تعلم
ومحاط بما يشي بك
لذا صارت الوحدة ملاذا لكنه لا يكفي
تقدم لنفسك العذر
وتنوء بما يثقل الحس
ويطفئ الألم
يهبط رأسك إلى القناعة
صرت تجمع عذاباتك المنتقاة
فتعيش العذابات مكانك
وترحل .