قُبْحَا لِيَومِكَ فَالنَّوَائِبُ بَعْدَهُ - عبد الله الخفاجي

قُبْحَا لِيَومِكَ فَالنَّوَائِبُ بَعْدَهُ
وأقولُ لوْ أنَّ النوائبَ تسمعُ

وَأُخَادِعُ الأَيَّامَ وَهِي مَلِيَّة ٌ
بنتاجِ كلِّ ملمة ٍ لا تخدعُ

لا تغبطنَّ علَى البقاءِ مرزأ
إنَّ المُوَدِعَ إِلفَهُ لِمُوَدِّعُ

مَاطِلْ بِطَرْفِكَ يَا زَمَانُ فَإنَّهُ
لَمْ يَبْقَ عِنْدِي للصَّبَابَة ِ مَوْضِعُ

أوْ فارمنِي بسهامِ خطبكَ جاهداً
إنْ كانَ في قوسِ الحوادثِ منزعُ

لا سالمتْني النائباتُ فإنَّني
ثلِجُ الفُؤادِ إِذَاً تَقُودُ فَأتَبعُ

وَعَدِمْتُ أَوْطَانِي فآنسُ أَرْضِهَا
وَحْشٌ وَأَضْيَقُهَا عَلَيَّ الأوسَعُ

أوضحتَ لي سبلَ الهمومِ كأنمَا
صَبْرِي تَخِبُّ بِهِ الرِكَابُ وَتُوْضِعُ

وَأَضَقْتَ ذَرْعِي بِالعَزَاءِ وَطَالَمَا
أَمْسَى رَحِيْبَا إِذْ تَضِيْقُ الأَذْرُعُ

وحجبتَ عنْ عيني الضياء كأنَّما
الآفاقُ غربٌ ليسَ فيهِ مطلعُ

فلتفخرِ الأيامُ أنَّ ملمة ً
مِنْهَا أَهَالُ بِوَقْعِهَا وَأرَوعُ

قُبْحَا لِيَومِكَ فَالنَّوَائِبُ بَعْدَهُ
جَلَلٌ وَكُلُّ رَزِيَّة ٍ لا تَفْجَعُ

أشكُو فراقكِ ثمَّ أعلمُ عندهُ
أَنَّ السَّبِيْلَ إِلَى لِقَائِكِ مَهْيَعُ

وَرَجَوْتُ قُرْبَكِ وَالدِّيَارُ بَعِيْدَة ً
فَاليَوْمَ أَخْفَقَ في اللِّقَاءِ المَطْمَعُ

لوْ كانَ ينفعُني السلوُّ نبذتهُ
أسفاً عليكِ فكيفَ إذْ لا ينفعُ

هيهاتَ يجمعُ شملَ صبرٍ نافر
قلبٌ بأيدي الحادثاتِ موزعُ

أَحْنُو الضُّلُوعَ عَلَى بَوَاعِثِ غُلَة ٍ
ضمنَ أذكاركَ أنَّها لا تنقعُ

وألومُ طولَ الليلِ أرقبُ فجرهُ
أَوْ مَا ابْيِضَاضُ الصُّبْحِ بَعْدَكِ أَسْفَعُ

قَرَعَتْ إِلَيْكِ ثَنِيَّة ٌ مَطْرُوقَة ٌ
قَضَتِ المَنِيَّة ُ أَنَّهَا لا تَمْنَعُ

ما كانَ أوعرَ نهجهَا لوْ أنهُ
خرقَ بأطرافِ الأسنة ِ يرقعُ

لا تَبْعُدَنَّ مَصَارِعٌ مَطْلُولَة ٌ
ما حطمتْ فيها الرماحُ الشرعُ

ومسندونَ تعاقرُوا كأسَ الردَى
ودعَا بسهمهِم الحمامُ فأسرعُوا

بركَ الزمانُ عليهمُ بجرانهِ
وَهَفَتْ بِهِمْ رِيْحُ الخُطُوبِ الزَعْزَعُ

خرسٌ إذَا ناديتَ إلاَّ أنهمْ
وعظُوا بما يزعُ الليبَ فأسمعُوا

وَفَوارِسٌ عَهِدُوا السُّيُوفَ ذَوَائِداً
عنْ سربهمْ لوْ صادفتْ ما تقطعُ

نَبَذُوا الأَنامَ فَمَا أَضَاءَ بِنَقْعِهِمْ
عضبٌ يشامُ ولاَ سنان يلمعُ

البيضُ تزهرُ والدروعُ مفاضة ٌ
وَالخَيْلُ تَمْرَحُ وَالقَنَا يَتَزَعْزَعُ

وَالدَّهْرُ يَفْتِكُ بِالنُّفُوسِ حِمَامَهُ
فَلِمَنْ يُعَدُ كَرِيْمُهُ أَوْ يَجْمَعُ

عجباً لمنْ يبقي ذخائرَ مالهِ
وَيَظَلُّ يَحْفَظُهُنَّ وَهُوَ مُضَيَعُ

وَلِغَافِلٍ وَلَهُ بِكُلِّ ثَنِيَّة ٍ
ملقَى لهُ بطنَ الصفائحِ مضجعُ

أَتُرَاهُ يَحْسَبُ أَنَّهُمْ مَا أَسَأَرُوا
مِنْ كَأسِهِمْ أَضْعَافَ مَا يُتَجَرَّعُ

لوْ كانَ يمنعكَ القراعُ ملأتَها
جَرْداً يَغُصُّ بِهَا الفَضَاءُ البَلْقَعُ

وَأَثَرْتَ فِي حَلْقِ الدُّرُوْعِ عِصَابَة ً
كالدهرِ تخفضُ ما يشاءُ ويرفعُ

لَكِنَّهَا الأَقْدَارُ لَيْسَ أَمَامَهَا
مَا يُسْتَجَنُّ بهِ وَلا يُسْتَدْفَعُ

يَا قَبْرُ فِيْكَ الصَّالِحَاتُ دَفِيْنَة ٌ
أَفَمَا تَضِيْقُ بِهِنَّ أَوْ تَتَصَدَّعُ

لَو كُنْتَ تُبْلَغُ مَا أَقُوْلُ أَطَلْتُ مَا
أَشْكُو إِلَيْكَ مِنَ الهُمُومِ وَأَضْرَعُ

حياكَ فجريُّ النسيمِ كأنهُ
أبداً بطيبِ ثنائهَا يتضوعُ

وَسَقَتْكَ أَجْفَانِي فَأَنْتَ بِمَعْزَلٍ
عَنْ أنْ يُتَاحَ لَكَ السَّحَابُ الهُمَّعُ

إِنْ لَمْ يَكُنْ عَقْرٌ عَلَيْكَ فَإْنَّهَا
كبدٌ محرقة ٌ وقلبٌ موجعُ