ماذا أريد ؟ - يحيى توفيق حسن

أتيت إلى الدنيا ألوك على فمي
صراخ وليد بادي البؤس باكيا

كأني أرى في صفحة الغيب شقوتي
مسطرةً والحزن يرسم ذاتيا

أبي كان فذاً في الرجال نهاره
كفاح ويحيى دابر الليل داعيا

يكد ويشقى في الحياة منافحاً
وليس له من سطوة الدهر واقيا

فقيرٌ ولكن بالشموخ موشحٌ
فلا ينحني مهما يعاني المآسيا

ويصبر إن جار الزمان بعزمةٍ
تغالبُ رغم الفقر بؤس اللياليا

يجوعُ , فإن جاء الطعام َرأيتَهُ
تناءَى ….وأدنى للصغار الأوانيا

ويحرم في ليل الشدائد نفسه
ويؤثرنا حتى وإن بات طاويا

كريمٌ فلا يأسى لخير يفوتهُ
وإن نال فضلاً كان براً مواسيا

وأقبل يومٌ كالحُ الظل مثقلٌ
رأيت أبي يدنا إلى القبر ساجيا

عرفتُ جلال الموتِ وهو حقيقةٌ
تغافلتُ عنها حقبةً من زمانيا

وأيقنتُ أنا راحلون وأنني
وإن طال بي عمري سأصبحُ فانيا

وكنتُ طري العود مازلت يافعاً
غريراً قليلَ الحول أخشى العواديا

وحيدا ولا مالٌ وحولي صبيةٌ
يتامى تضاغو جائعين ِحيالِيا

فأيقظني من غفلة العمر بؤسهم
وأشعل في ذاتي وئيد حماِسيا

فشمرت تَشميرَ الكريم إذا غدا
إلى الحرب لايخشى من الموت عاديا

وأقبلت أسعى في الحياة وقدوتي
أبٌ….صارع الأيام كالليث ضاريا

***

فلماعجمتُ النفس والتف ساعدي
تلفت حولي ارقب الكون حائرا

توهمت أن المجد إحراز ثروةٍ
أصون بها وجهاً رأى الفقر َسافراً

فرحتُ بعزمٍ لايكل وهمةٍ
أحاول جمع المال بالكد صابرا

سنينٌ وأعوام من العمر أُهدرت
تغربتُ عن أهلي وعشتُ مُهاجرا

وطفتُ بأرض الله والمالُ غايتي
وضاع شبابي في الحياة ُمغامرا

حرمتُ عيوني من لذيذُ رقادها
وكم عذب الحرمان من بات ساهرا

وبعد سنين الصبر أمسيتُ موسراً
وأصبح عندي نادرُ المال وافرا

فرحتُ بعيني أحكمتْها تجاربي
أردد طرفي في الخلائق ساخرا

أفي المال- بئس المالُ- أفنيت زهرتي
وحولي جمال الكون ينبض ذاخرا

***

وأحسست أني والحياة تلف بي
أفتش عن أشياء لا أعي ماهيا

فسائلت نفسي والضياعُ يحيطني
وليلٌ من الحرمان يُفرغُ ذاتيا

لعلي ولا أدري أفتش عن هوى
يعيد لإحساسي صهيل شبابيا

ومرت سنين العمر ثكلى رتيبة
وقلبي يذوى بين جنبي صاديا

وجئتِ .. كما تأتي النسائمُ في الضحى
يضم رداء الحسن عودكِ حانيا

تسللتِ نحو القلبِ كالطيفِ كالسنَى
فأيقظتِ عمري بعد ما كان غافيا

وعاد وجيبُ القلبِ يخفقُ صاخباً
وعاد شبابي راكض الخطْوِ طاغِيا

وقلتُ لنفسي والضبابُ يلفني
أفيقي فليلُ الحب يمحو المآسيا

وأغرقت عمري في الهوى وجنونه
وفي ناره أحرقتُ روحي وذاتيا

ومرت ليالي العمر تمضي سريعةً
وقلبي يلهو عابثا متصابيا

تنقلتُ بين الروض ألثمُ زهرهُ
ورحتُ أعب الشهد عذباً وصافيا

فلم أدر إلا والصبا كاد ينقضي
وريعان عمري بالشجى بات ذاويا

فرحتُ أعزي النفس بالصبر حائراً
وقلبي حزينٌ هام خلف الامانيا

وأدركت أن الحب يذوى أوارُهُ
وأن لهيب الشوق لاشك خابيا

وعدتُ أجيل الطرف حولي يائساً
أكفكفُ دمعي دامي الروح شاجيا

وقلتُ لعلي كنتُ أبحث عن أخ
على الدهر معوان وللجرح آسيا

فعشتُ بإحساسي أحاول أن أرى
صديقاً يواسيني ويرحمُ حاليا

فخالطتُ أقواماً وجربتُ معشراً
فلم ألقى بين الناس خلاً مواسيا

تكاثر خلاني وحظي وافرٌ
فلما كبَا حظي تلاشو تلاشيا

وفكرتُ في أمري ويأسي وحيرتي
فلم أرى غيرالله أرجوه هاديا

فعدتُ كما عاد المحاربُ مثخناً
إلى بابه أشكو إليه عذابيا

فما ثم عندالله أقرب من فتى
يقومُ بجنح الليل يقنُتُ باكيا

ولاشيء أولى من تقربنا له
بإطعام محرومٍ واشباعُ طاويا

وألفيتني أرنو إليه مسلماً
أحاول فعل الخير مادمتُ باقيا

هناك أضائت في فؤادي سكينةٌ
وطهرني الايمان من سوءِ مابيا