ما زِلتُ أَسمَعُ أَنَّ المُلوكَ - علي بن الجهم

ما زِلتُ أَسمَعُ أَنَّ المُلوكَ
تَبني عَلى قَدرِ أَخطارِها

وَأَعلَمُ أَنَّ عُقولَ الرِجا
لِ يُقضى عَلَيها بِآثارِها

فَلِلرومِ ما شادَهُ الأَوَّلونَ
وَلِلفُرسِ مَأثورُ أَحرارِها

فَلَمّا رَأَينا بِناءَ الإِمامِ
رَأَينا الخِلافَةَ في دارِها

وَكُنّا نَعُدُّ لَها نَخوَةً
فَطَأمَنتَ نَخوَةَ جَبّارِها

وَأَنشَأَتَ تَحتَجُّ لِلمُسلِمينَ
عَلى مُلحِديها وَكُفّارِها

بَدائِعَ لَم تَرَها فارِسٌ
وَلا الرّومُ في طولِ أَعمارِها

صُحونٌ تُسافِرُ فيها العُيونُ
وَتَحسِرُ عَن بُعدِ أَقطارِها

وَقُبَّةُ مُلكٍ كَأَنَّ النُجو
مَ تُفضي إِلَيها بِأَسرارِها

تَخِرُّ الوُفودُ لَها سُجَّداً
إِذا ما تَجَلَّت لِأَبصارِها

إِذا لَمَعَت تَستَبينُ العُيو
نُ فيها مَنابِتَ أَشفارِها

وَإِن أوقِدَت نارُها بِالعِرا
قِ ضاءَ الحِجازَ سَنا نارِها

لَها شُرُفاتٌ كَأَنَّ الرَبيعَ
كَساها الرِياضَ بِأَنوارِها

نَظَمنَ الفُسَيفُسَ نَظمَ الحُلِيِّ
لِعونِ النِساءِ وَأَبكارِها

فَهُنَّ كَمُصطَبِحاتٍ بَرَزنَ
بِفِصحِ النَصارى وَإِفطارِها

فَمِنهُنَّ عاقِصَةٌ شَعرَها
وَمُصلِحَةٌ عَقدُ زُنّارِها

وَسَطحٍ عَلى شاهِقٍ مُشرِفٍ
عَلَيهِ النَخيلُ بِأَثمارِها

إِذا الريحُ هَبَّت لَها أَسمَعَت
غِناءَ القِيانِ بِأَوتارِها

وَفَوّارَةٍ ثَأرُها في السَماءِ
فَلَيسَت تُقَصِّرُ عَن ثارِها

تَرُدُّ عَلى المُزنِ ما أَنزَلَت
عَلى الأَرضِ مِن صَوبِ مِدرارِها

لَوَ اَنَّ سُلَيمانَ أَدَّت لَهُ
شَياطينُهُ بَعضَ أَخبارِها

لَأَيقَنَ أَنَّ بَني هاشِمٍ
يُفَضِّلُها عُظمُ أَخطارِها

فَلا زالَتِ الأَرضُ مَعمورَةً
بِعُمرِكَ يا خَيرَ عُمّارِها

تَبَوَّأتُ بَعدَكَ قَعرَ السُجونِ
وَقَد كُنتُ أَرثي لِزُوّارِها