كيف قلتم في مقلتيه فتور - عماد الدين الأصبهاني

كيف قلتم في مقلتيه فتور
وأراها بلا فتور تجور

لو بصرتم بلحظه كيف يسبي
قلتم ذاك كاسر لا كسير

موتر قوس حاجبيه لإصماء
فؤادي كأنه موتور

لا تسلني عن اللحاظ فعقلي
طافح من عقارهن عقير

كيف يصحو من سكره مستهام
مزجت كأسه العيون الحور

أورثته سقامها الحدق النجل
وأهدت له النحول الخصور

ما تصيد الأسد الخوادر إلا
ظبيات كناسهن الخدور

كل غصنيه الموشح هيفاء
على البدر جيبها مزرور

وجنات تجنى الشقائق منها
وثنايا كأنها المنثور

وبنفسي معنبر الصدغ والعارض
فوق العبير منه العبير

مقطع للقلوب يقطع فيها
باقتدار وخطه المنشور

فتأمل منه عذاريه تعلم
أن معذول حبه معذور

منثني العطف منتشي الطرف في فيه
الحميا وطرفه المخمور

أيس العاذلون مني فيه
مثلما خاب في قبولي المشير

الأمر الملام ينقاد قلبي
وعليه من الغرام أمير

قل لحلو حال من الحسن في هجرك
حالي حزن وعيشي مرير

بفؤادي حللت والنار فيه
فيه منك جنة وسعير

نار قلبي لضيف طيفك تبدو
كل ليل فيهتدي ويزور

وأرى الطيف ليس يشفي غليلي
كيف يشفي الغليل زَوْرٌ زُوْرُ

ما مدام يديرها ثمل العطف
بنفسي كؤوسها والمدير

بنت كرم تجلى على ابن كريم
وجهه من شعاعها مستنير

من سنا كأسها المعاصم والأنفس
فيها أساور وسرور

ولها في الكؤوس في حالة المزج
حباب وفي النفوس حبور

وكأن الحباب في الكأس منها
شرر فوق ناره مستطير

طاب للشاربين منها الهواءان
فلذ الممدود والمقصور

من يدي ساحر اللواحظ قلبي
بهواه مستهتر مسحور

للحميا في فيه طعم وفي عينيه
سكر وفوق خديه نور

من سجايا الصلاح أبهى وهذا
مثل دون قدره مذكور

ما رياض بنورها زاهرات
غردت في غصونهن الطيور

كل غصن عليه من خلع النور
رداء ضاف ووشي حبير

ورقها في منابر الأيك منها
واعظات من شأنها التذكير

وكأن الروض الأنيق كتاب
وكأن الأشجار فيه سطور

أشبه الشرب فيه شارب ألمى
أخضر النبت والرضاب نمير

وكأن الهزار راهب دير
بألحانه تحلى الزبور

وكأن القمري مقرئ آي
قد صفا منه صوته والضمير

كمعاني مدحيك حسنا ومن أين
يباري البحر الخضم الغدير

مستجير جوري وإني منه
بابن أيوب يوسف مستجير

أنت من لم يزل يحن إليه
وهو في المهد سرجه والسرير

فضله في يد الزمان سوار
مثلما رايه على الملك سور

كرم سابغ وجود عميم
وندى سائغ وفضل غزير

راحة أم سحابة وبنان
أم غمام وأنحل أم بحور

كل يوم إلى عداك من الدهر
عداك المخوف والمخدور

وتولى وليك الطالع السعد
وعادى عدوك التقدير

سار بالمكرمات ذكرك في الدنيا
وإن اليسير منها يسير

للحيا والحياء ما إن في كفك
والوجه سائل وعصير

لقد استعذبت لديك المرارات
كما استسهلت إليك الوعور

من دم الغادرين غادرت بالأمس
صعيد الصعيد وهو غدير

ولكل مما تطاولت فيهم
أمل قاصر وعمر قصير

لاذ بالنيل شاور مثل فرعون
فذل اللاجي وعز العبور

شارك المشركين بغيا وقدما
شاركتها قريظة والنضير

والذي يدعي الإمامة بالقاهرة
ارتاع إنه مقهور

وغدا الملك خائفا من سطاكم
ذا ارتعاد كأنه مقرور

وبنو الهنفري هانوا ففروا
ومن الأسد كل كلب فرور

إنما كان للكلاب عواء
حيثما كان للأسود زئير

وقليب عند الفرار سليب
فهو بالرعب مطلق مأسور

لم يبقوا سوى الأصاغر للسبي
فودوا أن الكبير صغير

وحميت الأسكندرية عنهم
ورحى حربهم عليهم تدور

حاصروها وما الذي بان من ذبك
عنها وحفظها محصور

كحصار الأحزاب طيبة قدما
وبني الهدى بها منصور

فاشكر الله حين أولاك نصرا
فهو نعم المولى ونعم النصير

ولكم أرجف الأعادي فقلنا
ما لما تذكرونه تأثير

ولجأنا إلى الإله دعاء
فاوجه الدعاء منه سفور

وعلمنا أن البعيد قريب
عنده والعسير سهل يسير

ورقبنا كالعيد عودك فاليوم
به للأنام عيد كبير

مثلما يرقب الشفاء سقيم
أو كما يرتجي الثراء فقير

عاد من مصر يوسف وإلى يعقوب
بالتهنئات جاء البشير

عاد منها بالحمد والحمد لله
تعالى فإنه المشكور

فلأيوب من إياب صلاح الدين
يوم به توفي النذور

وكذا إذا قميص يوسف لاقى
وجه يعقوب عاد وهو بصير

ولكم عودة إلى مصر بالنصر
على ذكرها تمر العصور

فاستردوا حق الإمامة ممن
خان فيها فإنه مستعير

وافترعها بكرا لها في مدى الدهر
رواح في مدحكم وبكور

أنا سيرت طالع العزم مني
وإلى قصدك انتهى التسيير

وأرى خاطري لمدحك إلفا
إنما يألف الخطيرَ الخطيرُ

بعقود من در نظمي في المدح
تحلى بها العلى لا النحور

ولك المأثرات في الشرق والمغرب
يروى حديثها المأثور

وببغداد قيل إن دمشقا
ما بها للرجا سواك مجير

ما يرى ناظر نظيرك فيها
فهي روض بما تجود نضير

لطاوي الإقبال عندك نشر
ولميت الآمال منك نشور

ومن النائبات أني مقيم
بدمشق وللمقام شهور

لا خليل يقول هذا نزيل
لا أمير يقول هذا سمير

لست ألقى سوى وجوه وأيد
وقلوب كأنهم صخور

سرقت كسوتي وبان من الكل
توان في ردها وقصور

واعتذار الجميع أن الذي تم
قضاء في لوحه مسطور

ولعمري هذا صحيح كما قالوا
ولكن قلبي به مكسور