لستُ على عذلِكَ صَبَّارا - كشاجم

لستُ على عذلِكَ صَبَّارا
فلو تَشَا أقصرتُ إقصَارا

واهاً لأَيَّامِ صِباً فَقْدُهَا
أورَثَني همّاً وإكدارا

أيَّامَ لا أُصبحُ إلاَّ فتى ً
قد صَاحبَ الفتيانَ غيّارا

وَكَمْ وَكَمْ رُحْتُ إِلى حانة ٍ
وَكَمْ وكَمْ نَبهْتُ خَمّارا

استغفرُ اللهِ وَكَمْ ليلة ٍ
أحييتُها لهواً وأوزارا

عانَقْتُ في ظُلْمَاتها شَادِناً
بِفترة ِ الأَجفانِ سَحَارا

فَقامُ يجلُو جُلنّاريَّة ً
تُصيَّرُ الأضواءَ أنوارا

يعقدُ ما بينَ كَثيبِ النّقا
وبينَ غُصْنِ البَانِ زُنَّارا

فإن يكُنْ ذاكَ الزّمانُ انقضى
وبدَّلَ الأَحلاءً أَمرارا

فالعيشُ طعمانِ لِمَنْ ذاقَهُ
والدهرُ ما ينفكُّ أَطوارا

وحبَّذا يومٌ بكرنابة ٍ
والفجرُ قَدْ أَسفَرَ إِسفارا

وكلّنّا مبتهجٌ مُمْتَطٍ
طِرفاً يفوتُ الطَّرفَ خطَّارا

كأنَّه مُن عُظْمِ تركيبهِ
صوّرهُ الجبّارُ جَبّارا

يخطُو على صُمٍّ إذا حَنَتهَا
ألقَتْ على الأحجارِ أَحجارا

كأَنَّنا في وقتِ إِرسَالِه
نُضْرِمُ في أعطافهِ نارا

يخبب خباباً سلوقيّة ُ
تفوتُ أَوهاماً وأَبصارا

مِنْ كلِّ حسناءَ طرازيّة ٍ
تفوق الأَرنب إِحضارا

يمدّ متنينِ امتداداً كما
قَرَنْتَ بالطّومَارِ طومارا

كَأنَّها صائمة ٌ أَقْسَمَتٍْ
أَنْ تجعلَ الأَرنبَ إِفطارا

وقد حملنا كُلَّ مُستَوفزٍ
أَدَهُ الحاذِقُ واختارا

يفتقُ حَمْلاقينِ عن مقلة ٍ
يَخَالها النّاظِرُ دِينارا

صادقة ٌ تُعملُ لحظاً إلى
مَقَاتلِ الطّائرِ نظّارا

مخاتلٌ لكن لهُ جلجلٌ
لم يألُ إعذارا وإنذارا

كأَنَّهُ شعلة ُ نارٍ إذا
عاينَ فتخاءَ وحشنَارا

أو عربيٌّ فاتكٌ ثائرٌ
يخافٌ في تقصيرِه العارا

فبينما تكفّفُ من غَربِها
وكلّها تجذبُ اَستَارا

صَارَ لنا برقٌ فناج ولو
كانَ يخافُ الحينَ ما ثَارا

فلم يزل في عَجَبٍ عَاجِبٍ
يأخذُ ما دبَّ وما طارا

فيا لهُ يوماً هَرَقْنَا به
من دَمٍ ما صِدْنَاهُ اَنهارا

وَلَّى وأُبقِي ذِكرُهُ بَعدَهُ
لِسائرِ الطرَّادِ أَسمارا

حتَّى إِذا نحنُ قَضَيْنَا بِهِ
من عُذَرِ اللذَّاتِ أَوطارا

مرحاً وقد سَّمطَ غلمانُنا
خرائطاً تحمِلُ أَوتارا

إلى محلٍّ حلَّ فيهِ النَّدى
وصارَ فيهِ المجدُ مذ صَارا

دارِ كريمٍ سيّدٍ أيِّدٍ
بُورِكَ فيمن يسكنُ الدّارا

تَلْقَاهُ فرداً في النَّدَى واحداً
وجحفلاً في الحربِ جرّارا

كأَنَّ في كفَّيهِ من جودِهِ
وبأسهِ الجنَّة َ والنّارا

لو أنَّ للأفلاكِ أخلاقَهُ
كانتْ نجومُ اللّيلِ أقمارا

يستعبِدُ الأَحْرَارَ معروفُهُ
والعُرْفُ يستعبدُ أحرارا

يشربُ شراوبة ً عُتِّقَتْ
في الدّنّ أعصاراً وأعصارا

حتَّى رأَينا اللّيلَ قد غَرَّبتْ
جَوْزَاهُ بَلْ والنَّجْمُ قد غارا

إِبٌقَ أَبا القاسِمِ واسْلَمْ فَقَدْ
جعلتَ للآدابِ مَقدارا

متَّعَكَ اللهُ بنعمائِهِ
وزادَ في عمرِكَ أعمارا